رشا وناهدة تبدعان في”حرتوقة”: متجر لإعادة تأهيل الأقمشة وتحويلها إلى أزياء وقطع فنية

ناهدة ورشا

رشا وناهدة تبدعان في”حرتوقة”: متجر لإعادة تأهيل الأقمشة وتحويلها إلى أزياء وقطع فنية

لدى الدخول إلى هذا المشغل، تقف بحيرةٍ من أمرك لا تدري في ما عليك أن تنظر. “حراتيق” في كلّ مكان، مميزة وغريبة وفريدة لا يمكن إيجادها في أي مكان آخر، ولا حتى إيجاد نسختين من القطعة نفسها في المشغل. يحمل هذا المكان أبعاداً عديدة تعكسها القطع المعروضة فيه. قطعٌ تروي عمل نساء تعلّمن الأشغال اليدوية، وتظهر مفهوماً جديداً في لبنان يكمن في إعادة تدوير الملابس والأكسسوار. أطلقت رشا وناهدة “Atelier Hartouka” منذ أربع سنوات، في رؤية إبداعية بهدفٍ اجتماعي واقتصادي وبيئي.

 

كانت رشا وناهدة تعملان في جمعية، وأرادتا من فكرة إنشاء المشغل تمكين النساء بالدرجة الأولى، فتنميتهنّ تكون عادةً عبر تدريبهنّ. لكن المبادرات التي تفتح لهنّ المجال لتوظيف هذه الخبرات والعمل ضيّقة جداً، “لذا أوجدنا هذا المشغل لفتح المجال أمام بعض النساء لدعمهنّ مادياً، من خلال فتح فرص عمل لهنّ”، تقول إحدى صاحبات مشغل “Hartouka” والمديرة الإدارية، رشا شكر.

 

كانت ناهدة تطبّق إعادة التدوير على ملابسها الخاصة قبل الانطلاق بهذا المشغل، وتعمل أساساً بالأشغال اليدوية والتصميم. وكانت فكرة المشروع دمج مفهوم إعادة التدوير مع دعم وتمكين المرأة ليكون لها مردود مادّي، بحيث تضع ناهدة تصميم القطعة وتعمل السيدات على تنفيذها، فهي تدربهنّ كما تدرّب النساء في العديد من الجمعيات اللبنانية على الحياكة والتصميم لتمكينهنّ.

 

لطالما أحبّت ناهدة الموضة، وتعلّمت الحياكة من والدتها منذ صغرها. “أحبّ الموضة والملابس كثيراً والحياكة منذ صغري، وفكرة إعادة التدوير كمفهوم هي التقليص من إنفاق المال. وجميع الملابس في السوق متشابهة، وإعادة تدوير الألبسة هي “حرتقة” من نوع آخر على القماش، يسمح للسيدة بأن ترتدي قطعة ملابس غريبة وفريدة، وفي الوقت نفسه يكون سعرها بمتناول اليد”، بهذه الكلمات تشرح ناهدة توبة، إحدى صاحبات مشغل “Hartouka” والمديرة الفنية والمصممة فيه، مفهوم هذا المشغل. 

 

ويمكن للسيدة أن تأتي بملابس قديمة لم تعد ترتديها إلى المشغل لإعادة تصميمها. وبهذه الطريقة تغيّر في نمط القطعة دون اللجوء إلى شراء قطعة جديدة. وتروي ناهدة أنّ “الزبائن الذين يرتادون المشغل، يقصدونه لشراء ملابس مميّزة وفريدة، فلا قطعة في المشغل تشبه الأخرى ولا مقاسات من القطعة نفسها أبداً، فكلّ قطعة تتميّز بنمط ومقاس واحد فقط”. 

 

“فكرة إعادة تدوير الملابس والأكسسوار في لبنان ما زالت جديدة لدى الناس، واستغرقت بعض الوقت كي يتقبّلوها، فهم يربطون في أذهانهم هذه الفكرة بالأشياء المستعمَلة. لكن بمجرّد استخدام القطعة المستعمَلة من قماش وخيطان، تصبح القطعة جديدة”، كما تشرح ناهدة. و”أصبح للمشغل طابعه الخاص، وزبائنه الأوفياء الذين يرتادونه باستمرار وبشكلٍ أسبوعي، ويجدون فيه دائماً أشياء جديدة، وينتظرونها ويحبّونها”.

 

وتصمّم ناهدة الأكسسوار والملابس والحقائب وأكسسوار المنازل، وتستخدم خامات وموادّ عديدة وغريبة في إعادة تأهيل هذه القطع. فمثلاً تنتج خواتم من تنك علب السردين وتلبسها بالجلد، كما تصمّم الحقائب من بقايا أقمشة السجّاد والأرائك، أو تصنع فساتين مصنوعة من الستائر، وتستخدم حصى البحر لصناعة الخواتم وألعاب الأولاد، وتعيد تدوير اللمبات القديمة لتصبح تعليقات على الحائط، “إذ يمكن تزيين وإحياء أي مساحة أو قطعة أو ملابس بأشياء بسيطة وذوق جميل وفكرة جديدة”، وفق تعبيرها.

 

هذه كلّها وغيرها الكثير من إبداع ناهدة، فهي تستوحي أفكارها من البحث المستمرّ والسفر الذي يغذي خيالها الإبداعي في مجال إعادة التدوير. وبرأيها: “لا شكّ في أنّ الأزمة الاقتصادية كانت لمصلحة المشغل، وعزّزت العمل والمبيع فيه في ظل الغلاء الذي يعمّ الأسواق كافة، فأسعار أشغالنا معقولة جداً، فنحن نعيد تدوير الأقمشة”. لكنّها تضطر أحياناً إلى شراء موادّ أولية لاستكمال تصاميم معينة ترسمها في ذهنها. وتضيف أنّ “معظم القطع والتصاميم بيعت في فترة الأعياد الحالية، فالناس تبحث عمّا هو فريد وبأسعار معقولة، فيما أصبحت الهدايا في الأسواق باهظة الثمن ولا تستحق هذه الأسعار”.  

 

ولم يُسمَّ المشغل بهذا الاسم عبثاً، فهو “يجمع “حراتيق” عديدة، وأشغالاً يدوية صغيرة وكبيرة وغريبة”، وفق تعبير ناهدة.

 

ولهذا المشغل أبعاد وأهداف عديدة تشرحها رشا، “فالهدف الأول اجتماعي هو تعليم النساء الأشغال اليدوية لتمكينهنّ من التصميم وإعادة التدوير لكي يعملن وينتجن في بيئاتهنّ، والهدف الثاني هو رفع الوعي لدى الناس للتخفيف من الاستهلاك، فصناعة الملابس هي أكثر الصناعات الملوِّثة للبيئة، وهنا يكمن البُعد البيئي لفكرة إعادة التدوير، فبدلاً من رمي الملابس أو تكديسها في الخزائن، “نحرتق” بها بطريقة مختلفة لتواكب الموضة”.

 

كما يهدف المشغل إلى تقديم تصاميم فريدة ذات أسعار مقبولة، “وخصوصاً في ظل هذه الأزمة، إذ قليلون هم الأشخاص القادرون على شراء الملابس بشكل دائم. وكذلك يوفّر المشغل مساحة لعرض أشغال يدوية لمصممين وفنانين، لدعمهم”، بحسب رشا.   

 

وبسبب نجاح المشغل ونجاح مفهومه الخاص ذي الأبعاد المتعددة من اجتماعي وبيئي واقتصادي وإبداعي، تقول رشا بأنّ “هناك جمعيات عديدة حالياً تهتمّ بتبنّي مفهوم مشغلنا كمشروع لمساعدة نساء مهمشات أو ذات حاجات معينة”، وتقدم رشا وناهدة منهجاً معيّناً لهذه الجمعيات لاتباعه مع طريقة العمل، ويكون تطبيق المشروع تحت إشرافهما. 

 

ولدى السيّدتين رؤية مستقبلية تكمن في تنمية أكبر عدد ممكن من نساء لبنان ليستفدن من هذا المشروع، ولا يتوقّف حلمهما في أن يكون هذا المشروع في خدمة النساء على جميع الأراضي اللبنانية، فشغفهما تمكين السيدات وتأمين فرص عمل لهنّ ولو محدودة.  

 

تعرفوا على ناهدة ورشا وفكرة متجر “حرتوقة” في هذا الفيديو:

 

 

 

 

 

المصدر: النهار

 

Leave a Reply