بلال عبدالله: ثورة 17 تشرين سرّعت خطواتنا لرفض سدّ بسري
الشوف – فرح الحسنية
ملاحظة: لقد صودف أن هذه المادة الصحافية تم تحضيرها مع بداية انتشار فيروس الكورونا في لبنان، وقد تريثنا في نشرها خلال الفترة السابقة بسبب انشغال لبنان والعالم بهذا الوباء، وقد قررنا نشرها اليوم حتّى لا يتم تأجيلها أكثر.
فاجأ الحزب التقدّمي الاشتراكي أهالي الشوف والبيئيين والمهتمّين بقضية مشروع سدّ بسري بتقديم اقتراح قانون إلى المجلس النيابيّ يقضي بتحويل مرج بسري إلى محمية طبيعية، بعد أن كان الحزب مؤيدًا لسنوات إقامة مشروع السدّ.
وعلى الرغم من أن مشروع سدّ بسري هو من أهم القضايا البيئية التي تعني أهالي منطقة الشوف المميزة بطبيعتها الخضراء، والممثلين بغالبيتهم في المجلس النيابي من قبل نواب الحزب التقدّمي الاشتراكي، وشهرة رئيسه النائب السابق وليد جنبلاط بين محبّيه بـ”الرجل البيئي الأول”، إلا أن قرار رفض السدّ خطوة سبقه إليها العديد من الأهالي والخبراء والناشطين البيئيين من الشوف ومختلف المناطق اللبنانية، إذ استطاعوا تحويله إلى قضية رأي عام، حرّكت نوّابًا لبنانيين أمثال النائبة بولا يعقوبيان والنائب أسامة سعد، ووصلت أصداؤه إلى نوّاب ألمان طالبوا فورًا بإيقاف مشروع السدّ بعد الإطلاع على حجم أضراره، خاصةً أن ألمانيا هي أحد أعضاء البنك الدولي ممول المشروع.
إلى ذلك تناولت المشروع وسلبياته أهمّ الصحف المحلية والعالمية وآخرها تقرير أعدّته صحيفة New York Times، في مقابل تأييد أو صمت لافت من قبل بعض السلطات المحلية والجمعيات البيئية في الشوف، تماشيًا مع قرار الحزب.
لماذا الآن؟
سؤال طرحه الكثيرون، ونقلناه إلى النائب في الحزب التقدمي الاشتراكي الدكتور بلال عبدالله مقدّم إقتراح مشروع القانون حيث قال لموقع “بشوفك”، إنّ رفض المشروع ليس وليد الساعة إنما هو نتيجة عمل بدأ منذ ثمانية أشهر من خلال لجنة متخصصة كلّفها وليد جنبلاط، برئاسة المهندس الأستاذ يحيى أبو كروم، ضمت اختصاصيّين ومن أحد أعضائها السيد وليد صافي من قبل مجلس الإنماء والإعمار، وأوضح أن اللجنة درست التقارير والملفات العلمية حول المشروع في لبنان والخارج، ولاحظت أنّ ثمة تناقضًا في نتائج الدراسات، كما استطلعت الآراء العلميّة من الخبراء وآراء الناس القاطنين في محيط بسري، وشدّد عبدالله: “حرصنا على معرفة رؤية الناس ووجهات نظرهم وتحدثنا مع مؤيدي المشروع والمعترضين عليه”.
وتابع عبدالله قائلًا: بعدما اطلعنا على طبيعة الأرض ومدى قدرتها على حفظ المياه، ومخاطر السدّ، استنتجنا أن الحفاظ على هذه المنطقة بما تملك من ثروة بيئية وحيوانية ونباتية وتراثية إيجابيتها أكثر من إيجابيات السدّ، فغلّبنا الموضوع البيئي، ولا سيّما أنّ لبنان قد يعاني من أزمة تصحّر إذا لم نحافظ على ما تبقى من طبيعته”.
وأشار: “لقد خرجت اللجنة باستنتاج أن سلبيات السدّ أكثر من إيجابياته، وعندما تبلّغ جنبلاط بالنتائج أصدر قرارًا برفض السدّ وبدأنا العمل على اقتراح مشروع المحمية”.
وعن مدى تأثير ثورة 17 تشرين والاعتراضات الشعبية حول السدّ في تبديل رأي الحزب بشأن المشروع…
قال عبدالله: ” نعم نحن لا نخاف من القول أنّ طريقة التفكير وأساليب العمل وسرعة تنفيذ الخطوات قبل 17 تشرين ليست كما بعده حكمًا حتّى نكون صادقين مع أنفسنا، فقد أصبح هناك مشهد سياسي آخر ورأي عام محاسب ومراقب أكثر، ونعم الثورة سرّعت خطواتنا لرفض السدّ، لكن نؤكد أن اللجنة بدأت العمل منذ ثمانية أشهر”.
لماذا قدّم الحزب إقتراح قانون لتحويل المرج إلى محمية طبيعية بدلًا من العمل على إلغاء مشروع السد من أساسه وقد وقّع عليه وزراء الاشتراكي في العام 2015؟
أوضح عبدالله: “نحن لا نشارك في الحكومة الحالية حتّى نقوم بإلغاء مشاريع لكننا طبعًا مجرّد تقديم هذا الاقتراح يعني إذًا أنّنا رافضون المشروع من أساسه”.
وبعد رفض المشروع، ماذا يقول الحزب عن أزمة تأمين مياه الشرب إلى أهالي بيروت وقد كان تمسّكه بمشروع السدّ لهذه الغاية؟
قال العبدالله: “مازلنا نتمسّك بتأمين مياه الشرب إلى بيروت، خاصة وأن العاصمة يقطنها مواطنون من جميع المناطق، فنحن جميعنا سكان بيروت وبالتالي بحاجة إلى مياه الشرب وعلينا البدء في البحث عن بدائل للسد”.
إشارات جنبلاط في رفض المشروع ظهرت في تغريداته منذ تسعة أشهر
وبالعودة إلى أبرز تغريدات رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط عن مشروع سدّ بسري، نلاحظ أن أول تغريدة لافتة بشأن السدّ كتبها في حزيران من العام 2019 أي منذ حوالي الـ 9 أشهر من اليوم، تزامنت مع الاعتداء الوحشي الذي تعرّض له الناشط البيئي ومنسّق حملة الدفاع عن مرج بسري السيد رولان نصّور، جاء فيها أنه يريد إعادة النظر بشأن المشروع بعد الآراء المعترضة عليه والأجوبة الملتبسة حول جدواه من قبل مجلس الانماء والإعمار حسب تعبير جنبلاط.
التغريدة الثانية كانت في تشرين الثاني 2019، نصح خلالها الحزبيين بمناقشة مشروع السد مع الثوار جاء فيها: “في خضم النقاشات حول كل شيء أنصح الرفاق الحزبيين في الشوف بفتح نقاش جدي وصريح مع الحراك المدني حول سد بسري في إيجابياته أو سلبياته”.
في خضم النقاشات حول كل شيء انصح الرفاق الحزبيين في الشوف بفتح نقاش جدي وصريح مع الحراك المدني حول سد بسري في إيجابياته او سلبياته pic.twitter.com/zvLgZxhQBe
— Walid Joumblatt (@walidjoumblatt) November 12, 2019
أما التغريدة الثالثة فكانت في كانون الأول 2019، بدا فيها جنبلاط وكأنه حاسم في مسألة رفضه السدّ خصوصًا بعد التقرير الذي أعده موقع “New York Times”، جاء فيها: “ان إقامة سد بسري ضرورة من اجل تأمين المياه لبيروت الكبرى لكن إذا كان المتعهد هو نفسه ملتزم ردم النفايات في مكب برج حمود وغيرها من الالتزامات المشبوهة فإنني أطالب بوقف كل الأعمال ومنها قطع الشجر. ما يجري يؤكد تحقيق صحيفة الـ New york Times حول الفساد في مجلس الإنماء والإعمار”.
ان إقامة سد بسري ضرورة من اجل تأمين المياه لبيروت الكبرى لكن إذا كان المتعهد هو نفسه ملتزم ردم النفايات في مكب برج حمود وغيرها من الالتزامات المشبوهة فإنني أطالب بوقف كل الأعمال ومنها قطع الشجر. ما يجري يؤكد تحقيق صحيفة ال New york Times حول الفساد في مجلس الإنماء والإعمار pic.twitter.com/Y9CX10BJLz
— Walid Joumblatt (@walidjoumblatt) December 13, 2019
وبعد طول انتظار أتت خطوة الحزب التقدّمي الإشتراكي في رفض مشروع سدّ بسري، متزامنةً مع توتر حاد في العلاقات بينه وبين التيار الوطني الحرّ، المسؤول عن وزارة الطاقة والمياه القيّمة على مشاريع السدود في لبنان، لكن المهم أن تكون البيئة هي المستفيد الأول في هذا السياق، عندما يحمل الحزب مع البيئيين والثوار شعلة الدفاع عن ثروة مرج بسري، ويحافظون هم أنفسهم على غايتهم في أكل العنب من دون قتل النواطير.