أماني البعيني من المستشفى: التعدّيات علينا تبقى تفاصيل صغيرة أمام قضية مرج بسري الكبرى

أماني البعيني من المستشفى: التعدّيات علينا تبقى تفاصيل صغيرة أمام قضية مرج بسري الكبرى

الشوف – فرح الحسنية

 

“Over Our Dead Bodies” أو “على جثننا”، هي العبارة التي تستخدمها الناشطة البيئية والحقوقية أماني البعيني، لتقول إنّ مشروع سدّ بسري لن يمر. واليوم تؤكد أماني قولها بالفعل عندما تصف الضرب المبرح والوحشي الذي تعرّضت له وأدّى إلى إصابتها بارتجاج في الدماغ، بـ”التفاصيل الصغيرة أمام القضية الكبرى: مرج بسري”.

 

أماني البعيني ابنة التاسعة والعشرين عامًا، هي صوت القضية، هي المدافعة الشرسة عن مرج بسري منذ العام 2015، هي ابنة مزرعة الشوف إحدى القرى الأكثر تضررًا من سدّ بسري في حال تمٍّ إنشاؤه، عُرِفَت بصلابة مواقفها، وجرأة رسائلها، وبتواجدها المستمرّ في الصفوف الأمامية في أي تحرّك أو نشاط يتعلّق بمرج بسري.

 

وبعد أربعةِ سنوات من النّضال، وفي التّاسع من تشرين الثاني من عام 2019، وخلال تظاهرة حاشدة  لثوار 17 تشرين تحت عنوان “تحرير مرج بسري”، كانت أماني في مقدّمتها، صرخت حينها بأعلى صوتها “افتحوا البوّابة” ، ليتحرر مرج بسري من بوّابة سلطة فاسدة منعت حتّى أصحاب الأراضي من دخول المرج.

 

أماني البعيني

 

 

دافعت أماني عن المرج وخلعت البوابة وحررته وأُوقِفًت من أجل القضية، واليوم هي شهيدة حيّة إذ تعرّضت لاعتداء معنوي وجسدي عنيف من قبل عماد البعيني الشخص نفسه الذي سبق واعتدى على منسّق الحملة الوطنية للدفاع عن مرج بسري المهندس رولان نصّور ما أدّى إلى فقدانه جزءًا من أذنه، وكانت أماني نفسها قد سعت إلى إخراج عماد من السجن عندما تمنّت على صديقها رولان باسقاط حقه بعدما اعترف عماد بما ارتكبه، وتعهّد بعدم التعرّض مجددًا لأي من أعضاء الحملة.

قاومت أماني كثيرًا ضربات البعيني الجنونية التي تركّزت على منطقة الرأس، فكانت تسقط أرضًا وتنهض متصدّيةً له في وقتٍ كانت الشّتائم والإهانات تنهال عليها، وهي ما وصفتها أماني بأنها أقسى من الضّربات التي أدّت إلى إصابتها بارتجاج في الدماغ!

 

مشهدية تشبه كثيرًا نضال أماني ومجموعة كبيرة من النّاشطين البيئيّين والثوار طوال سنين من أجل الدفاع عن قضية مرج بسري، الذين كانوا يتلقون صفعات متكررة من السّلطة المتمسّكة بالسدّ، بدءًا من استملاك الأراضي وأعمال الحفر، ومنع الأهالي من دخول المرج، وصولًا إلى التّعدي على الناشط رولان نصّور والتطاول عليه معنويًا، وربّما ليس آخرها ما تعرّضت له أماني اليوم.

 

ولسخرية القدر، صودف أن تتزامن الحادثة مع لقاء جامع دعت إليه بلديات المنطقة المتضررة من السد رفضًا للمشروع والمطالبة بأن يكون المرج منطقة مزدهرة زراعيًا وأثريًا، وبيئيًا وسياحيًا حسب نص الدعوة، وهو ما سعى إليه وطالب به الناشطون لسنوات بتضامن البلديات معهم وقفًا للسّدّ، إلا أنه في يوم الاحتفال الذي شاركت أماني في الدعوة إليه كانت ترقد في المسشتفى!

 

 

بصوت خافت ومرهق لكنه لا يتعب من الحديث عن مرج بسري روت أماني تفاصيل الواقعة عندما قمنا بزيارتها في المستشفى، ورغم آلامها الشديدة تحدثت كثيرًا عن بسري القضية التي ارتبطت باسمها.
 

تفاصيل الحادثة

وتروي أماني لموقع “بشوفك” الحادثة: “كنا نقوم بتصوير وثائقي مع المفكرة القانونية يوم السبت عن المرج ونجري مقابلات منذ الصباح مع المزارعين، الذين يزرعون الأراضي، حيث تم تشكيل لجنة زراعية للأشخاص المتحمّسين للزراعة ولا سيّما في ظل الأزمة الاقتصادية، ما يفسح المجال أمام الشّباب لإيجاد فرص عمل، حيث تقوم اللّجنة بتأمين الأراضي للمزارعين بالتنسيق مع البلديات”.

 

تركت أماني فريق التصوير لإحضار الطعام، وعندما عادت توقّفت سيارة تابعة لبلدية المزرعة بالقرب من مكان التصوير، تواجد فيها شخصان أحدهما عضو في بلدية المزرعة والآخر يكون عماد البعيني، ألقيا التحية على الجميع وفجأة أطلق البعيني الشتائم موجّهًا الإساءات إلى أماني، محذرًا إياها من المشاركة في النشاط المقرر يوم السبت بدعوة من البلديات، وموجهًا الاتهامات إلى ناشطي الحملة الوطنية للدفاع عن مرج بسري واصفًا إياهم بأنهم أهل باطل وهو من أهل الحق.

 

وأكمل البعيني هجومه على أماني قائلًا: وليد جنبلاط هو من حرر مرج بسري والحزب التقدمي الاشتراكي على راسك”، لترد عليه: “مين جاب سيرتهم؟” وأكملت: “أنا متفاجئة بكلامك يا عماد خصوصًا وأنه لا يوجد أي خلاف بيننا”، فتابع عماد كلامه بالقول: “الجميع يكرهك وأنتم جماعة كذب قاصدًا الحملة الوطنية للدفاع عن المرج”.

بعد هذا، ترجّل عماد من السيارة طالبًا من الجميع إخلاء المكان، وتهجّم على أحد الشبان الذي تدخّل لفض الخلاف بينه وبين أماني، إلا أنه واصل هجومه على أماني مرددًا عبارة: “معي أوامر بمنعك من الدخول إلى مرج بسري” وعندما سألته أوامر من تنفّذ؟ فلم يجب.

 

 

 

 

 

وتتحدث أماني عن الضرر المعنوي واللفظي الذي تعرّضت له من قبل عماد وقالت: “وصفني بكلمات مهينة أخجل من تكرارها كانت أقسى من ضرباته”.

وكشفت أماني أنها كانت تتلقى باستمرار تهديدات من عماد بعدما وقفت إلى جانب نصّور في قضيته، ولكنها تغاضت عنها باعتبار أن عماد ابن بلدتها وييبقى وبمثابة أخ لها كما قالت، وطلبت حينها من عائلتها عدم التدخّل في المسألة وعدم التعرّض له رغم تهديداته.

 

والمفاجأة كانت عندما ظهرت التهديدات نفسها من قبله أثناء الضرب، وممّا قاله: “لقد أمضيت تسعين يومًا في السجن وسأدفّعكم الثمن، لا أريد أحدًا منكم في المرج وأنا حامي مرج بسري”.

بكل قوّاها قاومت أماني الضربات الوحشية التي كانت تُسقطها أرضًا، والتي تركّزت على منطقة الرأس، وحاولت توثيقها بهاتفها الخلوي ما زاد من إجرام عماد، طالبًا منها التوقف عن التصوير، لكنّها لم تمتثل لتهديده فسلبها هاتفها وانصرف…

 

بعدها توجهت أماني إلى المخفر وقدّمت شكوى ضد عماد وأكدت أنها ستتابع الموضوع قضائيًا، أمّا هاتفها فأعيد إليها إثر وساطات جرت بين العائلتين.

 

هل تتهمين جهة معينة بالوقوف وراء تصرّفات عماد؟

 

أماني لا تتهم جهة معينة بالوقوف وراء ما حدث ولا تحمّلها المسؤولية، ولا تعتبر أن عماد يخضع لأوامر من أحد أنما تفسّر ما يدعيه بأنه غطاء لتصرفاته ولأنانية مفرطة وحبّ للظهور، وهو محاولة إلغاء للحملة التي تعرّضت سابقًا للاعتداء من قبله، كما يبدو من خلال العبارة التي يكررها دائمًا: “أنا حامي المرج”، حسب تعبير أماني.

 

وتضيف: “ربما ثمة من يحرّضون عماد على القيام بهذه التصرّفات” تاركة الأمر للتحقيقات.

 

 

 

 

 

هل من الممكن أن تسقطي حقّك أو تتراجعي عن الادعاء ضد عماد؟

 

ترد أماني: “أصبحنا أمام مسؤولية كبرى تجاه كلّ من يريد زيارة المرج، وأصبحت حرية الزائرين وحمايتهم بخطر”، وأضافت: “لا يمكننا ترك هذا شخص متفلّتًا لا سّيما وأنّه يتوّعد ويهدد دائمًا ويريد الانتقام بعدما سبق ودخل السجن، وعلّقت: “لقد شعرت بمدى كرهه لي”.

 

وأوضحت: “أنا شخصيًا لم أؤذِ عماد البعيني يومًا وقد ضربني، ربما اختلفت آراؤنا ولكنّ هذا ليس مبرّرًا لاعتدائه”.

 

 

 

وأضافت: أنا كابنة قانون، أرفض إهانة كرامات الناس وأذيتهم، رجالًا كانوا أو نساء، والمرة الأولى أسقطنا الحق لأنه اعترف وتعهّد بعدم الأذية، ولكن تكرار فعلته يؤشر  إلى أن الموضوع أصبح خطيرًا وعلينا حماية الجميع”، وتابعت: “اليوم أنا بكرا مين؟”.

 

تؤكد أماني أن قضية بسري تبقى الأهم، وتعتبر أن التعدّيات ما هي إلا تفاصيل صغيرة أمام القضية الكبرى، وقالت: “لو توقفنا عن النضال عندما تم الاعتداء على رولان، ما كنا استطعنا تحرير المرج اليوم، بل تابعنا عملنا وأقمنا المخيمات لأشهر عديدة”.

 

 

أماني مع رولان نصور في ليل 9 تشرين الثاني

 

أماني مع رولان نصور في ليل 9 تشرين الثاني

وتابعت: “كما تابع رولان نضاله من أجل المرج بما تبقى من أذنه، وسأكمل أنا نضالي فور خروجي من المستشفى لأن القضية أكبر من الأشخاص”.

 

ورغم كل ما حصل تعبتر أماني أن عماد هو بمثابة أخ بالنسبة لها، و”لا أكنّ له إلا كل محبّة”، وتابعت: “اعدّى سابقًا على رولان وقلنا كل شخص معرّض للخطأ وفتحنا صفحة جديدة معه وسعينا إلى إخراجه من السجن وعلى أساس أنه شعر بالندم”.

أضافت: “حبن زرته في المخفر عندما كان موقوفًا في المرة الأولى كان كالملاك، ويتوسّل إلينا لاخراجه”.

 

اليافطات التي تشكر وليد جنبلاط

وعن رفضها تعليق اليافطات التي تشكر رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي على وقف مشروع السدّ ما أثار غضب عماد البعيني، أوضحت أماني أنها مرت إلى جانب الشباب الذين كانوا يعلّقون اليافطات فألقت عليهم التحية وأكملت طريقها باتجاه فريق التصوير في المرج، من دون أن تعلّق عليها أو على مضمونها.

 

هل برأيك ثمة من يريد خطف الإنجازات التي حققتها الحملة والثوار في مرج بسري؟

تؤكد أماني أن ثورة تشرين هي التي حررت مرج بسري، فيما ترحّب الحملة الوطنية للدفاع عن مرج بسري بأي قوى سياسية تنضم إليها منها الحزب التقدّمي الاشتراكي، والكتائب اللبنانية، وحزب القوّات اللبنانية، والنّائبان أسامة سعد وفريد الخازن، والنائبة بولا يعقوبيان الذين أعربوا جميعهم عن رفضهم مشروع السدّ، كما ترحّب بالبلديات التي سحبت مواقفتها على إنشاء السدّ.

 

وأشارت أماني إلى أن الحملة كانت تناشد دائمًا القوى السياسية للنظر في قضية مرج بسري، فلن ترفض اليوم انضمام أي قوى، وفي الوقت نفسه تؤكد أن القضية هي قضية الثورة، مضيفة أن أي انجاز تحققه الثورة سيحصده الوطن ككل وهو ليس إنجازًا على مستوى شخصي.

 

ولم تعبّر أماني عن خوفها من أي محاولات من القوى السياسية لخطف الإنجاز الذي حققته الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري والثورة في تحرير المرج، قائلة: “لا يمكن لأحد أن يخطف إنجازات الثورة والجميع يعلم أن من حرر المرج في 9 تشرين الثاني 2019 هم الثوار، والتاريخ لا يستطيع أحد خطفه”.

 

وتابعت: “سعينا دائمًا أن تصبح قضيتنا بحجم وطن، فلهذا لن نعتبر التضامن معنا هو خطف الإنجاز بل ثمرة ما عملنا من أجله لصالح كل الشعب اللبناني”.

 

ومن وجهة نظرها ترى أماني أن المواقف تتضامن مع بعضها البعض باتجاه إيقاف المشروع، بدءًا من عريضة إيقاف السدّ التي تحمل 75 ألف توقيعًا، بالإضافة إلى كتاب وجّهته الحملة إلى البنك الدولي يحمل توقيع 112 جمعية من المجتمع المدني ترفض إقامة السدّ، ومع انضمام الأحزاب والبلديات والسلطات المحلية، تصف أماني المشهدية بأنها تتكامل.

وضع أماني الصحّي

تخضع أماني للمراقبة بعدما كشف التقرير الطبّي ظهور ارتجاج في الدماغ في المنطقة السفلية من الرأس، ومن عوارضه آلام حادة في الرأس، وشعور بالدوار، كما يصعب على أماني النظر في وهج الضوء، بالإضافة إلى التقيؤ المستمر، إلا أنه لا يوجد كسر أو نزيف.

أماني تطالب رئيس الجمهورية والحكومة بحماية مرج بسري

وطالبت أماني رئيس الجمهورية والحكومة أنه بدلًا من إقرار مشروع السدّ في الجلسة الوزارية، كان من الأفضل وقف المشروع، وفتح تحقيق في أسباب فشل السدود في لبنان ومحاسبة من هدر أموال الشعب اللبناني.

 

كما دعت الحكومة إلى الاستفادة من الأراضي في بسري ودعم زراعتها لا سيّما في الظروف الاقتصادية والصحية الصعبة التي يمر بها البلد، والعمل على استثمار الأراضي واستصلاحها لتساهم في تعزيز الأمن الغذائي خصوصًا وأن أراضي بسري تؤمن 50 بالمئة من حاجة لبنان للفاصوليا، و60 بالمئة من حاجته للفريز، إلى جانب توافر أجود أنواع الصنوبر في أراضيه.

 

وطالبت أماني بتحويل المرج ليس إلى محميّة بالمعنى التقليدي بل منطقة حمى مصنّفة، حمى زراعية وسياحية وأثرية، للحفاظ على الإنسان وعلى الحيوان أيًضًا لأنها تعد ثاني أهم ممر طيور في لبنان.

 

وبعد الاعتداء، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملة استنكار شعبية رافضة لما تعرّضت له أماني.

 

من جهته، استنكر رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط الاعتداء عبر حسابه على تويتر قائلاً: لذا استنكر التعرض الذي حدث للمحامية اماني البعيني اليوم .وفي مجال آخر يبدو ان البعض  يستغل  الحزب واسمي في تجارة اناشيد باهتة ومرفوضة.نشيد الحزب معروف ولا نشيد آخر الا نشيد الأرض المسلوبة ارض فلسطين نشيد موطني ومع فلسطين تزداد يبدو اوطان اخرى  تسلب وتنهار ومنها لبنان”.

 

وفي تغريدة أخرى كتب: “آن الأوان لبعض العقول المتحجرة في الحزب الاشتراكي ان يخرجوا من منطق الشخصنة والانانية .ان الحزب يجب ان يكون حالة تقبل الغير وتساعد الغير في أي عمل  يصب للصالح العام .ان المجتمع المدني هو الذي انتصر في الاعتراض على سد بسري وأقنعني بالضرر الفادح .لم اطلب يافطات ترحيب باسمي في بسري”

 

 

بدوره غرّد النائب بلال العبدالله في السياق نفسه وكتب: “إن الحملة الوطنية لحماية مرج بسري، التي شاركت فيها قوى وجمعيات ومؤسسات متنوعة من المجتمع المدني والمحلي، والتي يسجل لها نفسها الطويل ونضالاتها من أجل وقف مشروع السد، مدعوة لمتابعة المواجهة، والبناء على كل المستجدات السياسية والتشريعية المواكبة للهدف، في إطار التكامل والانفتاح”.

 

 

 

من جهتها تضامنت حركة “لحقي” مع الناشطة أماني البعيني واستنكرت ما حصل، واعتبرت في بيان صادر عنها: “أن تكرار الاعتداءات توحي بأنه هناك قرار سياسي بالقمع والاعتداءات في منطقة الشوف بشكل يختلف عن التصريحات العلنية لقيادات الحزب الاشتراكي المهيمن في المنطقة”.

 

 

 

أما الحملة الوطنية للدفاع عن مرج بسري فدعت: “القضاء والقوى الأمنية إلى التحرك فوراً والتحقيق في الإعتداء، نؤكّد أنّ محاولات الترهيب والقمع لن تثنينا عن متابعة النضال حتّى إلغاء صفقة السد نهائيّاً”.

 

 

 

Leave a Reply