صحيح أنه سبق واستدعى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية مواطنين على خلفية تعليقات على صفحات التواصل الإجتماعي، حيث لم يُحصر “التجريم” بحرية التعبير من خلال المنشورات-الستاتوس أو التغريدات، ولكن هي المرة الأولى التي يستدعي فيها المكتب نحو عشرين مواطناً علقوا على منشور خصصته صفحة #أنقذوا_مرج_بسري لمدير مشروع سد بسري إيلي موصللي. وقد نشرت الصفحة صورة لموصللي، إثر حديث له على تلفزيون أل بي سي يدافع فيه عن السد، مؤكدا أنه ستتم إزالة كل الآثارات ثم يعود ليؤكد باسم مجلس الإنماء والإعمار، المكلف بتنفيذ السد، الحرص على آثارات مرج بسري. وقد أرفقت الصفحة صورة موصللي مع عبارة “آثار مرج بسري عزيزة علينا كتير” مرفقة بتعليق ماذا يقصد موصللي حين يقول هذا الكلام؟ وعليه، علق العديد من المواطنين الرافضين والمعارضين للسد منتقدين المشروع وموصللي ومجلس الإنماء والإعمار، وذلك وفق المعلومات التي استقتها المفكرة من منسق الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري رولان نصور. وأكد نصور أن بين الذين استدعاهم المكتب مواطنين لم يعلقوا على المنشور “ولم نعرف تهمهم لغاية الساعة، وعلى أي أساس تم استدعاءهم”.
وعلمت المفكرة أنه تم التحقيق مع مواطن واحد هو الناشط روجيه حداد على الأقل اليوم في 18 تموز 2019 وتُرك بسند إقامة على ذمة التحقيق. ولم يدل حداد بأي تصريح حول التحقيق معه، ولم يقبل بالتحدث إلى الإعلام.
وبالعودة إلى التعليقات على صورة موصللي، نجد أن تعليق حداد ينحصر بالجملة اليتيمة التالية: “يعني دبرن من هلق بالسوق السودا”. فيما استدعي مواطن آخر بسبب تعليقه “والله يلي استحوا ماتوا”. وذكّر نصور في حديثه ل المفكرة ب “تطاول موصللي على معارضي السد، حيث يصفنا بأصحاب الأجندات المشبوهة، وتهجمه على إحدى الناشطات التي اتهمها بأنها تقبض وأن هناك جهات تحركها، وغيره”.
وأكد نصور أنه ليس مسموحاً المسّ بحرية التعبير ومعارضة مشروع السد وكذلك كم الأفواه التي تناضل من أجل الحفاظ على مرج بسري. وأشار إلى أن الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري تتناقش مع معارضي السدّ والمناضلين للحفاظ على مرج بسري للبحث في آليات المواجهة الفعّالة لسياسة كم الأفواه والترهيب الحاصل.
وفور استدعاء بعض المواطنين من قبل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، نشرت صفحة أنقذوا مرج بسري بياناً على وسائل التواصل الإجتماعي اعتبرت فيه “أن مجلس الإنماء والإعمار بدأ يفقد صوابه أمام ازدياد المعارضة الشعبيّة لمشروع سد بسري الكارثي، لا سيما بعد أن فاحت روائح الفساد العلمي حول المشروع الذي أصبح مهدّداً بالإلغاء. فقد استدعى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية عدداً من المواطنين المعارضين لمشروع سد بسري بناءً على شكوى تقدّم بها مدير المشروع في مجلس الإنماء والإعمار إيلي موصللي. وتأتي هذه الشكاوى نتيجة انزعاج السيّد موصللي من تعليقات الناس على الفايسبوك، علماً أنّ هذه التعليقات لم تحتوِ على أي إساءة شخصيّة أو قدح وذم، بل عبّرت بكلّ صراحة عن الرأي المعارض للسد ولمخاطره الكبيرة على البيئة والصحّة والإقتصاد”.
ورأت الصفحة أنه “إزاء تعنّت مجلس الإنماء والإعمار ومحاولته إخفاء ارتكاباته الموصوفة ولجوئه إلى تهديد المواطنين وترهيبهم والإعتداء على حريّة التعبير، نطالب بإلغاء المجلس فوراً قبل أن يذهب مرج بسري وباقي ثروات الوطن ضحيّة مشاريعه التحاصصيّة والتدميريّة”. وطلبت من المواطنين “الذين يتعرّضون لأي نوعٍ من المضايقات بسبب موقفهم الداعم لحماية مرج بسري التواصل مع إدارة الحملة على هذه الصفحة”.
وإثر شيوع الخبر وارتفاع الأصوات المستنكرة لهكذا استدعاءات، عمدت صفحة “سد بسري” التي أنشأها مجلس الإنماء والإعمار للمشروع على مواقع التواصل الإجتماعي، إلى نشر موقف “قانوني” تحت عنوان :معلومة قانونية تهمك مع شعار القضاء( ⚖) جاء فيها استعادة حرفية لنص المادتين 383 و386 من قانون العقوبات الخاصتين بتحقير موظف عام والذم به.
يلحظ أن قيام مجلس الإنماء والإعمار بإنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي يشكل خطوة غير مسبوقة، حيث أنه لم يخص أيا من مشاريعه قبلاً بصفحة مماثلة، وهذا يبرهن عن مدى انزعاجه من المعارضة الشعبية الناشطة للمشروع.
وكانت صفحة أنقذوا مرج بسري قد أرفقت صورة موصللي وكلامه عن الآثارات بسؤال: “ماذا يقصد مدير مشروع سد بسري إيلي موصللي حين يقول إنّ آثار مرج بسري عزيزة عليهم؟”، لتسأل ايضاً ” هل تكون “المعزّة” بتدمير حوالي 60 موقع أثري من الحقبات الفارسية والفينيقة والرومانية والبيزنطية والعثمانية؟ هل تكون المعزّة بتفكيك المعابد والكنائس والأديرة الأثرية ونقلها فتاتاً من محيطها الطبيعي ووضعها في أقبية المتاحف وصالونات القصور؟ هل تكون المعزّة بتدمير الدروب التاريخية التي كانت تربط صيدا بالبقاع ودمشق؟ وختمت موقفها بعبارة “كفى استخفافاً بعقول الناس يا مجلس الإنماء والإعمار”.
يذكر أخيرا أن “المفكرة” و”كلنا إرادة” كانتا أصدرتا صبيحة هذا اليوم بيانا تحت عنوان “دعوة إلى تأمين بيئة محفزة وغير تخويفية لكاشفي الفساد وقضاء مستقل يحمي حرية التعبير”، وقد استهجنتا في البيان توجه النيابة العامة في استدعاء الناشطين الاجتماعيين وبخاصة البيئيين منهم وإخضاعهم لتحقيقات واجراءات مشكوك في قانونيتها، في اتجاه إيجاد بيئة تخويفية غير مؤاتية لحرية التعبير.
سعدى علوه
المصدر:المفكرة القانونية