من المعروف أنّ #سرطان المعدة هو النوع الثاني من السرطان الأكثر شيوعاً في العالم، وعلاجه المرجعيّ يتمثّل في استئصال المعدة مع العقد اللمفاوية. ومع التقدّم العلميّ، بات المنظار عنوان التطوّر في تقنية الاستئصال، خصوصاً المنظار المرتبط بالروبوت. وفي العام 1994، شهدت تقنيّة الاستئصال بالمنظار تحوّلاً مهمّاً في إجراء هذه العمليات، لا سيّما بعد الإبلاغ عن أوّل استئصال معويّ بعيدٍ للسرطان، بوساطة Kitano et al.
وبالرّغم من أنّ الطريقة المُوصى بها تبقى عبر شقّ البطن، بخاصة في حالة الاستئصال المعويّ الكامل، فإنّه تمّ إجراء عمليّة استئصال المعدة بالمنظار من قبل فريق IMM في مستشفى دور الحكوميّ في فرنسا، بعدما أظهرت الدراسات الأثر الإيجابي لهذه العمليات، من خلال معدّل المضاعفات مقارنة بالطريق المفتوحة، خصوصاً نزيف ما بعد الجراحة (17% مقابل 2%).
ليس بجديد أن يكون خلف هذا الإنجاز الطبي طبيب لبنانيّ، قام بمساعدة فريقه الطبيّ باستئصال السرطان بشكل كامل من المعدة، عبر #الجراحة التنظيرية، لدى سيّدة تعاني من هذا الورم الخبيث. وتمّت معالجة الجزء الخبيث عن طريق المهبل مع احترام القواعد السرطانيّة.
يعود هذا الإنجاز إلى الاختصاصيّ في الجراحة العامة الدكتور أنيس عبّاس، الذي قرّر، بعد دراسة ومواكبة طويلة، الاعتمادَ على هذا النوع الجراحيّ، بعدما اعتمد عليه في استئصال سرطان المصران الغليظ الأيمن، وفي ما بعد سرطان الجهة اليسرى.
الجراحة التنظيرية VS الجراحة التقليدية
تقوم الجراحة التنظيرية على إجراء العملية بالاعتماد على جهاز الكمبيوتر، من دون اللجوء إلى شقّ جسم المريض إلا في مكان محدّد، وبفتحة تراوح ما بين 5mm و 1cm، من أجل وضع بعض الأدوات. ولا يتمّ شق البطن كليّاً مقارنةً بالجراحة التقليدية. هذه الجراحة تتطلّب التخلّص من الورم الخبيث بدقة من خلال الانتباه إلى المناطق ذات الصلة بالإصابة، كالطحال والكبد. بهذا الشرح يختصر د.عباس في حديث مع “النهار” هذا النّوع من العمليّات.
ويتميّز هذا النوع من الجراحة بالسماح للمريض، منذ اليوم الثاني، بالسّير من دون مساعدة أحد، ثمّ يكون بإمكانه مزاولة عمله بعد 10 أيّام من إجرائها والعودة إلى نمط حياته المتّبع بشكل أسرع، وبمضاعفات أقلّ من النهج التقليديّ. كذلك، لا يحمل هذا النوع من الجراحة مخاطر أكثر، إلا أنّه أكثر صعوبة من النّوع المعتمد.
الجراحة التنظيرية مخصّصة للنساء فقط
تُعتمد هذه الجراحة التنظيرية عند النساء دونَ الرجال، لسبب يتعلّق بتركيبة الجسم عند كليهما، إذ يستطيع الطبيب استخلاص السرطان من المعدة، والتخلّص منه عبر المهبل، على عكس الحال عند الرجال، حيث يتطلّب الأمر إخراج الورم فقط عبر شقّ البطن.
ولا تقتصر الفروقات على هذا الحدّ. فوَفق الاختصاصيّ في الجراحة العامة د.عباس أنّ النساء، اللواتي يعانين من وزن زائدٍ أو بدانة، يُفضّل لهنّ اللجوء إلى هذه التقنية من أجل تفادي الالتهابات عبر الشقّ والفتاق أيضاً.
إلى جانب ذلك، وفي حال كان للمرأة أطفال، فإنّ ذلك يساعدها أكثر لناحية القدرة على فتح المهبل أكثر من المعتاد. أمّا عن العلاقة بين البدانة والجراحة التنظيرية، فيُشير عباس إلى أنّ السّمنة من العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالسرطان بشكل عام، وتحديداً سرطان المعدة، وليس لها علاقة مباشرة بنوع العمليّة.
شروط إجراء الجراحة التنظيرية
من وجهة نظر د.عباس أنّه بعد تشخيص هذا النوع من السرطان، ينبغي تحديد حجمه؛ فإذا بلغ مداه 4 ملم أو أقلّ، فإن بإمكان الاختصاصيّ في الجهاز الهضميّ إزالته، وإلا وجب تحويل المريضة إلى الجراحة العامة لإجراء هذه العملية.
وفي حالة المريضة التي يجب استئصال سرطان المعدة لديها بالكامل عبر المنظار، يتوجّب أن تخضع إلى 4 جرعات كيميائيّة قبل إجراء العملية، وإلى 6 جرعات بعد الاستئصال؛ فهذا البروتوكول يضمن عدم معاودة السرطان مرّةً أخرى.
هذا الشرط الطبيّ ليس وحده الضمان لعدم معاودة الورم الخبيث، بل كلّما تمكّن الطبيب من استئصال عدد أكبر من الغدد اللمفاوية نجحت العملية أكثر، إذ من المفضّل إخراج الغدد بمعدّل 10 إلى 12 غدّة لمفاوية وما فوق، لأنها تضمن أنّ يعيش المريض لسنوات أطول. وبالعودة إلى حالة المريضة، استطاع الجرّاح إخراج 35 غدّة لمفاوية عند استئصال سرطان المعدة لديها.
عوامل تمنع اللجوء الكليّ إلى الجراحة التنظيرية
ومثلما تحدّد الشروط الطبيّة إمكانيّة القيام بالجراحة التنظيريّة، هناك أيضاً صعوبات قد تمنع من القيام بها، حدّدها الاختصاصي في الجراحة العامة بعائقين: في الحالة الأولى، ترتبط الجراحة بحجم السرطان، في حال تجاوز الـ8 أو الـ10 سم؛ فحينها لا يُمكن استئصاله عبر هذا النوع من الجراحة. أمّا في الحالة الثانية، عندما يكون السرطان قريباً جداً من الكبد، فالجراحة قد تتطلّب إزالة بعضه للتمكّن من التخلّص منه.
وهنا، يوضح عباس إمكانيّة اللجوء إلى نوع آخر من الجراحة، في الوقت الذي يقوم فيه بالجراحة التنظيريّة، إذ قد يقوم الطبيب في حالات معيّنة، منها ما ذكرناه سابقاً، بالاعتماد على الجراحة التنظيرية إضافة إلى العملية الجراحية عبر شقّ البطن؛ وذلك يتوقف على وضع كلّ حالة على حدة.
إنجازٌ طبيٌ يؤكّد مرّة أخرى أنّ التطوّر الطبيّ لا حدود له، وأنّ خلفه كفاءات لبنانيّة، وظّفت خبراتها لمواكبة أحدث الجراحات وضمان حياة المريض بالدرجة الأولى>
المصدر: النهار