قصة 12 يومًا لا يعرفها اللبنانيون… سبقت عيد الاستقلال 1943

قصة 12 يومًا لا يعرفها اللبنانيون… سبقت عيد الاستقلال 1943

إعداد: عبد الله ذبيان وفرح الحسنية.  

“بيت الإستقلال” الذي يحكي قصة اللحظات الأخيرة الداهمة  لـ “انتزاع “لبنان حريته من المنتدب الفرنسي … أمسى “وضعه مزريا ومأساوياً في العقود الأخيرة ، لا بل كان آيلاً للسقوط في أي لحظة”؟؟!!

  هذا ما فاجئنا به السيد جهاد محمد حسان الذي أخذ على عاتقه مع اخوته ترميم هذا البيت التاريخي الواقع في بلدة بشامون- قضاء عاليه، بعدغياب واضح لجميع وزارات الدولة و”تجاهها” لهذا المعلم الوطني التراثي على مدى 77 عاماً!! ويمكن القول أنه لولا لفتة رئيس الجمهورية اللبناني السابق اميل لحود بادخال هذا المتحف ضمن بروتوكول احتفالية الاستقلال كل عام  لبقي “بيت الاستقلال” في طور النسيان.

 حلة قشيبة ارتداها المنزل الجبلي المتواضع، حتى أنني – شخصياً-  لم أعرفه عند وصولي إليه.

 وحدها “السنديانة” الضخمة وحجر معصرة الزيتون الأثري تشي أنني في المكان الصحيح فالقناطر الحجرية الخارجية تنسحب على القناطر الداخلية المعقودة والتي كانت فيما مضى مكسوة بالباطون وأتى ترميمها بعد نزع الطبقة الاسمنتية آية في الجمال والروعة.

   تغير «بيت الاستقلال» كثيرا، من بيت ريفي متواضع إلى ما يشبه «السرايا» بعد فتخ الغرف الداخلية على بعضها، وتظهير جمال الأسطح المعقودة، فضلا عن استعادة بعض الاسلحة القديمة التي استخدمها الثوار في تلك الفترة، وأهمها بندقيات ورشاشات رجالات الاستقلال كالأمير مجيد ارسلان وحبيب ابي شهلا وصبري حمادة، إضافة إلى المعالم والموجودات والتي احتضنها البيت منذ العام 1943 وبينها أول علم للبنان المستقل.

  يبدو الحبور على محياه السيد جهاد الحلبي صاحب المنزل العتيق… حيث تحقق حلمه وحلم المرحوم والده بترميم المنزل وافتتاحه رسمياً، بعدما تداعت جدرانه وقناطره خاصة خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982. وكل الفضل في ذلك يعود إلى ابناء المرحوم محمد حسان الذين دفعوا من جيبهم الخاص مبالغ كبيرة لتأهيله، ولابد هنا من ذكر ان المهندس رمزي أبوطرية وزوجته منى أبو فخر الدين توليا التصميم دون أي مقابل أيضاً.

“بيت الاستقلال” عبر التاريخ ….

  بيت الإستقلال» منزل جبلي قديم يقع على تلة من تلال بلدة بشامون المشرفة على بيروت،   وهذا البيت الوادع في أحضان الطبيعة شهد إطلاق «البلاغ رقم 1» الذي أصدرته الحكومة اللبنانية الموقتة في 17/11/1943 معلنة الشروع بمقاومة «القوّات الفرنسية المنتدبة.» 

  منزل آل الحلبي (أي بيت الاستقلال) شيّد عام 1890، وهو مبني من الحجارة المعقودة التي انتشرت خلال القرن الماضي بكثرة في القرى اللبنانية، خصوصاً في جبل لبنان. وهو مؤلف من ثلاث غرف مفتوحة على «سطيحة» واسعة تظللها سنديانة كبيرة عمرها أكثر من 170 عاماً وكان يتفيأ ظلالها القادمون لمناصرة رجالات الحكم الوطني. 

 

 

  كان حبيب ابوشهلا نائباً لرئيس الوزراء والأمير مجيد وزيراً للدفاع واعتبر الاثنان مجلس وزراء يقوم مقام رئيس الجمهورية… فكانت حكومة بشامون تتألف من حبيب ابوشهلا رئيساً ومجيد ارسلان عضواً والقائد العام للحرس الوطني . أمّا صبري حمادة فكان رئيساً لمجلس النواب ومؤازراً للحكومة في أعمالها ومقرراتها. وعينّت الحكومة خليل تقي مديراً بالوكالة لغرقة رئيس الجمهورية، واكتمل عقد المساعدين بوصول منير تقي الدين ونعيم مغبغب وأديب البعيني وهاني الهاني.

 

وأبلى قائد الحرس الوطني أديب البعيني البلاء المنقطع النظير في تنظيم الحراسات، والتصدي للفرنسيين، وله في شرفة بهو البيت صورة كبيرة وضعها في مكانها الإعلامي عبدالله رياض ذبيان عام 2017، وهي مقدمة من السيد مازن ذوقان البعيني.

مارست الحكومة مهامها في بيت الاستقلال، وأثبتت مصداقيتها، وأصدرت قراراتها الحرة. فما هي قصة هذا البيت الذي لا يزال قائماً باعتباره رمزاً من رموز الاستقلال؟

   وصل رجال الاستقلال إلى بشامون، واستقبلهم الأهالي في منزل المختار الشيح ضاهر عيد، واقترح بعضهم على رجال الاستقلال الذهاب إلى بلدة سرحمول لانها تبعد 3 كيلومترات عن بشامون، ولا طريق للسيارات إليها،ولا يستطيع الفرنسيون الوصول إليها..

  وفي اثناء التداول وقف رجل مهيب اسمه الشيخ حسين الحلبي من بلدة بشامون، وقال بكل جرأة وقوة مخاطباً رجال الاستقلال والجمهور: “ان بيتي محايد وغير مواجه وبعيد عن الأنظار…تفضلوا”. فقال له صبري حمادة “يا شيخ بيهبطولك بيتك، وعيلتك واولادك يمكن يموتوا تحت الأنقاض”. فاجابه حسين الحلبي “اللي عمره بيعمّر غيره ونحن فداء الوطن، المهم يبقى لبنان”. “

 

شهيد الاستقلال الوحيد

  وينقل جهاد الحلبي حفيد الشيخ حسين الحلبي عن والده ان «البيت كان بكامله تحت تصرّف أعضاء الحكومة الموقتة وكان يضم الاجتماعات الهامة التي رسمت تاريخ لبنان في مرحلة الاستقلال، حتى أن هنالك غرفة يطلق عليها حتى اليوم اسم «السراي» نظراً الى أهمية الاجتماعات الرسمية التي كانت تعقد فيها، كما انعقد فيها جلسة لمجلس النواب (بمن حضر) مرتين.

  وفيما كانت الوفود الشعبية تحف بالمنزل من المناطق اللبنانية بما يشبه التظاهرة الوطنية، كان الشباب من كافة الأحزاب والطوائف يتولون الحراسة مداورة في ما بينهم، وتعمل النسوة على إعداد الطعام و»المونة» وإرساله الى مقر «الحكومة الموقتة.

  وكان والد جهاد الحلبي يخبره كيف كان يتحمّس لصبّ القهوة العربية باعتزاز لرجالات الحكم وللوفود الزائرة، بينما تعقد حلقات الدبكة وتعلو الزغاريد وتلقى القصائد المعبّرة عن الوحدة الوطنية.

  في 15 و16 تشرين الثاني (نوفمبر) حاولت وحدات من الجيش الفرنسي اقتحام بشامون بعد أن طوّقت منطقة عاليه والشوف، إلا أنها اصطدمت بفرق الأنصار. ودارت معارك دامية على الطرقات المؤدية من الساحل إلى الجبل استخدم فيها الأنصار أسلحتهم الفردية وبعض القنابل اليدوية في وجه الدبابات فسقط عدد من الجرحى وقضى البطل سعيد فخر الدين شهيداً بعدما فجر دبابة فرنسية على تخوم بيت الاستقلال، وهو الشهيد الوحيد في معركة استقلال لبنان حيث أقيم له نصب تذكاري عام 2013 في بلدته الجبلية عين عنوب!!

العلم اللبناني الأصلي:

  ما كان يشغل بال آل الحلبي على مدى عقود هو كيفية الحفاظ على العلم اللبناني الأصلي الموجود في البيت، فبعد سنوات من «توضيبه» في الخزائن خوفاً عليه من العث، قاموا بتخصيص إطار زجاجي له ووضع في صدر «السراي» مع الأسلحة وأدوات صبّ القهوة العربية التي كانت تستعمل بكثرة من قبل وزراء الحكومة الموقتة في تلك الظروف العصيبة.

ولكن أخطر حدث تعرّض له المنزل كان عندما تهدمت واجهته خلال الاجتياح الإسرائيلي العام 1982 ما أدى إلى تحطّم كثير من الأثاث، وقامت العائلة بترميم الواجهة وفق الطراز المعماري القديم. 

  وفي العام 1994 وبعد مراجعات تمت الموافقة على وضع لوحة رخامية تؤرخ لتاريخ المنزل. لكن السعي يتمحور حول إدارج البيت على لائحة الأماكن الأثرية في لبنان.

Leave a Reply