نغم بو مجاهد شابة لبنانية تتحدى نظرة المجتمع وتنمره على وزنها الزائد لتصبح وصيفة أولى لملكة جمال بدينات العرب
كتبت الصحافية نوال نصر لموقع نداء الوطن مقالة تحت عنوان:
تنمّروا على نغم فردّت: “الناصح بيمشي وبيبيّن، وبيقعد وبيزيّن”
الجميلة البدينة… هكذا واجهت التنمّر
وجاء في المقالة:
تضحك من قلبِ قلبها لكلِ من هم حولها، وتتكلم بعينيها قبل اللسان، وتضع يدها على “بطنِها” مرات وكأنها تتحسس جنينها المنتظر، وهي تقلّبُ بين صورِها وصور البنات اللواتي تنافسن معها في حفل ملكة جمال البدينات. نراها تقرأ في التعليقات السخيفة الكثيرة على صورها: “طبلة”، “بقرة”، “لحم لحم”، “مكعكعة”، “ملظلظة”… هي سمعت طوال عمرها “تنميراً” كثيراً وأجابت دائماً بابتسامتها الواثقة: “الناصح بيمشي وبيبيّن وبيقعد وبيزيّن”. فهل ثقة نغم أبو مجاهد بنفسِها جعلتها بالفعل لا بمجرد القول تدير ظهرها الى كل المعتوهين الذين يتنمرون على “كيلوغرامات إضافية” ولا يعيرون انتباهاً لقصر نظرهم وقباحة عقولهم أم وراء إبتسامتها الرائعة وجع كامن كثير؟
إسمها نغم أبو مجاهد. أصلها من بتاتر. هي صبيّة بدينة لكن جميلة جداً، لذا استحقت أن تتوّج قبل أعوام وصيفة أولى لملكة جمال بدينات العرب. والمرأة البدينة حتى لو كانت آية في الجمال هي، في منظور البعض، قبيحة. فماذا في منطوق نغم؟ ماذا في رحلتها مع البدانة وما رافقها من تنمير؟
في بتاتر إلتقيناها. جميلة جداً. خسرت من وزنها لكن حملها عاد وزادها وزناً. طولها 1,63 سنتيمتراً ووزنها كان 109 كيلوغرامات. والآن؟ تضحك كثيراً مرددة: “ما رح خبركم”.
ربح وخسارة
هي تعلم ان بعض الخسارات ربح وبينها خسارة الوزن. لكنها “بتحب الأكل” وباتت تدرك مع الوقت أن “النحافة ليست أمراً يسيراً سهلاً الى كثيرات وكثيرين” وتشرح: “أول “طلعتي” بدأتُ اسمن. حاولتُ خسارة الوزن وعجزت، وبدل أن أنزوي عملت على تعزيز “الكاريزما” التي أتحلى بها. اشتغلتُ على شخصيتي. وأعترف أن قصصاً كثيرة ضايقتني في البداية لكنني، بإصراري، حاولت أن أصمّ أذنيّ عن كل التنمر الذي لاحقني. وحين عرفتُ بوجود مسابقة ملكة جمال بدينات العرب قررت ان أتحدى أكثر فشاركت. هناك من حاولوا ردعي قائلين: “بدك تعرضي جسمك”. ابتسمتُ من جديد الى هؤلاء وهم بغالبيتهم من صديقاتي وقررتُ كسر القاعدة السائدة تشجيعاً، ليس لي فقط، بل لكل الصبايا مثلي. قررتُ ان اعلن على الملأ أن الفتاة لا تقاس بكيلوغراماتها بل بروحها وعقلها أيضاً”. ماذا عن نظرة الشباب الى صبيّة سمينة جداً؟ تجيب “نحن نعيش للأسف في مجتمع مليء بالتنمر على الصبية البدينة والنحيلة وعلى الفتاة الطويلة والقصيرة لكن الكلمات “الثقيلة” المزعجة توجه غالباً الى البدينة. وكنت أردّ على التهجم على وزني الإضافي وجسمي بابتسامة وأقول الى البنات السمينات “نحن قلوب رهيفة بأجسام ممتلئة”.
والدة ُ نغم تصغي إليها بانتباه شديد وبالتماع عينيها “فهي ابنتها الجميلة بغض النظر عن وزنها”. وديع زوجها يجلس هو أيضاً بالقرب منها، ممسكاً بيدها، مردداً لها “أنتِ حياتي”. فما الذي جعل وديع يقع في حبّها؟ وكيف تعرّفت عليه؟ تجيب “تعرفنا في مطعم. كنت جالسة. وراح يحدثني ويوجه إلي كلمات جميلة. أعجبتني فيه شخصيته وكيفية تصرفه معي. كنت “ناصحة” وهو “ضعيف” وبعدما ارتبطنا خسرت أنا وزناً وكسب هو وزنا”. تعود وتضحك كثيراً. هي صاحبة روح حلوة يحتاج الى مثلها كل إنسان يمرّ في تنمّر وتهميش كما مرّت وواجهت.
بعدما تعرفت الى وديع خسرت نحو 30 كيلوغراماً من وزنها. تحدت نفسها والمجتمع ونجحت وتقول “لم أقصد ان أنحف كي يعجب بي من ينعتني بالبدينة “فأنا متصالحة جداً مع نفسي وجسدي” بل فعلت ذلك لأنني أدركت ان الوزن الإضافي خطر على صحتي. تستطرد بالقول: أنا أحب جسمي وشخصيتي، ووديع شاب رياضي، شجعني، فتحديت بدانتي وقلت في نفسي: جربتُ البدانة فلماذا لا أجرّب النحافة. ونجحت”.
هي تحب نفسها و”إذا لم تجد من يدللها تدلل نفسها”. لكنها فوجئت بتغيّر طبيعة مغازلة الشباب لها وتلطيشاتهم وتقول: “في السابق، أنا ومليانة كنت أسمع من يقول لي “هالوج الحلو مش راكب مع هالجسم” أما اليوم فيقولون لي “كلو مكمل بعضو” تضيف: “لم أتأثر بالكلام المعسول كما لم أتأثر بالتنمر”.
وديع:أعجبني وجهها
ثقتها كبيرة في نفسها. فلنسأل وديع عنها: ما الذي جذبه فيها؟ وماذا عن تعليقات أصدقائه حولها حين رأوه معها؟ يجيب “حين تعرفنا رأيت وجهها فأعجبني. كانت تجلس وراء الطاولة. تكلمنا كثيراً. وحين وقفت فوجئت لكنني لم أتأثر. وحين بدأتُ أخرج معها بدأ أصدقائي يقولون لي: “كيف تخرج معها؟ ألا ترى جسدها؟ إذا مالت صوبك بتفطسك”. الناس يتسببون بأذى نفسي للأشخاص البدينين من دون أن يدركوا ربما ما يفعلون. هؤلاء يوجهون كلاماً يؤذي الفتيات البدينات. وكم من مرة ومرة أجبت هؤلاء: الوجه الجميل يزول والجسد الجميل أيضاً سيزول وما يبقى هي الروح الجميلة. فأي إمرأة قد تتعرض الى حادث وتتشوه ويزول جمالها”. هكذا واجه وديع من حاولوا ردعه عن مغازلة فتاة سمينة والتقرب منها ومحاولة بناء مستقبل له معها. شخصيته القوية كانت رادعاً أيضاً في وجه كل الكلام السخيف الذي سمعه.
لكن، ألم يقف مرة امام فتاة نحيفة ترتدي سروالاً قصيراً وفكّر: ليت نغم مثلها؟ يجيب بسرعة وبثقة “لا، لم يخطر ذلك أبداً في بالي. فحين يكون الإنسان متصالحاً مع نفسه يعتبر كل تلك الأفكار سخيفة. في كل حال، حتى لو ارتدت نغم “شورتاً” فسيبدو عليها، أقله في عيوني، جميلاً رائعاً. زوجتي نغم البدينة يمكنها أن تكون نغم النحيفة أيضاً وهي جميلة في بدانتها وفي نحافتها”. تزوجا. وكانت نغم في العرس قد خسرت وزناً كثيراً ما فاجأ الجميع. هي فعلت ذلك، كما قالت، لتربح صحة لا لتحوز إعجاب المحيطين. هنا تتدخل نغم في الحديث وتقول: “كسب وديع وزناً بعد زواجنا وكم قلت له أحبك كما أنت “مكعكع”. تضيف “حين عرف الناس انني حامل راحوا ينصحونني بالإنتباه الى جسمي لكنني قلت لوديع “سآكل ما يحلو لي. أريد أن أستعيد وزني ليأتي الولد مثلنا “معكعك” فالبدين يمشي وبيبيّن وبيقعد وبيزيّن”. ماذا تقول، من خلال تجربتها، للصبايا اللواتي يعانين من التنمر بسبب بدانتهن؟ تجيب وهي تمسح العرق الذي يتصبب من جبينها “نصيحتي الى الصبايا البدينات ألا يتأثرن بكلام الناس الذين يجرحونهن عن قصد او بلا قصد. نصيحتي إليهنّ أن يحببن أنفسهنّ ولا يبالين بمن يحاولون التسبب لهنّ بالحزن وبقلة الثقة بالنفس. فالفتاة سواء كانت بدينة أم نحيلة “مش مخلّصة” من آراء الناس وقساوتهم. فلا تعرن إنتباهاً الى هؤلاء وليكن لديهن إصرار على ضرورة أن يحببن أنفسهن لأنهن بذلك سيجعلن الناس يحبونهنّ. فمن لا تحب نفسها ستتعب في مجتمع لا يبالي إلا بالشكل والمنظر لا في اللبّ والقلب”.
نصيحة كالسيف
عانت نغم الكثير من التنمر حول جسدها السمين وسمعت، مثلها مثل كثيرات، من يقولون لها: “هذا الرجل لا يحبك بل يضحك عليك” فقط لأنك سمينة والفتاة السمينة لن تجد، بحسب هؤلاء، من يحبها”. هي سمعت كثيراً أيضاً من يدعوها بأسلوب فيه كثير من الفظاظة والتنمر الى “تخفيف الأكل”. هي نصيحة يعتقدها من يوجهها “ذهبية” غير أن نغم ومثيلاتها تنزل عليهنّ تلك النصيحة كما السيف المسنن. والدة نغم وتدعى سمر كانت تقول لها في البداية أيضاً حين تكونان وحدهما: “خففي أكل” لكنها حرصت ألا تفعل ذلك أمام الناس لأنها تعرف وقع هذه الجملة على الفتاة البدينة.
نغم أو “نانا” كما يدللونها في البيت جميلة جداً وفخورة بنفسِها جداً وهي قادرة، بدلالِها، على أسر القلوب وجذب العيون. أهل وديع، وهو وحيد البيت، لم يأبهوا لشكلها. وقلة من الأهالي يتصرفون كما تصرفوا.
ضرس نغم على الطعام “جيد جداً” وهي تحب الطهي و”نفسها على الطعام طيّب”. والسمنة بدأت تظهر عليها بعمر العشر سنوات وكم سمعت من يومها حتى اليوم (بعدما بلغت حالياً سن السادسة والعشرين) من يهمس في أذنيها: “أنت أمورة لكن جمال الفتاة في رشاقتها”. فالمجتمع الشرقي يؤطر الفتاة في أفكار وأشكال محددة تسقط فريستها كثيرات.
التعليقات التي سمعتها نغم “تجرح” واستمرّت تحت وطأتها أعواماً طويلة ومديدة. والتعليقات نفسها تتردد في آذان فتيات بدينات كثيرات وتشي بحجم التنمر في مجتمع لا يبالي غالباً إلا بالشكل. ومن تلك التعليقات التي يصعب محوها: “بتاكل الدجاجة بريشها حين تجوع” و”يقطع حلاكي” و”تافهة” و”استحي” و”هيدي البقرة اللي بتعمل “لافاش كيري” و”ما في مسابقة ملكة جمال البقر” و”أهلك مش شايفين زنودك المرهرطه” وواحدة من بنات جنسها أرسلت لها رقم إختصاصية في التغذية! نغم أبو مجاهد وقفت أمامنا مليئة بالثقة بالنفس لكن هناك مئات آلاف الفتيات أمثال نغم ما زلن يعانين من التنمر من دون “حول لهنّ ولا قوة” على القول بصوت عال: من فضلكم إحترمونا فنحن أناس لدينا مشاعر.