في بلد يعاني من أزمات متشابكة، لا تُعتبر وزارة الزراعة مجرد حقيبة وزارية، بل هي ركيزة أساسية في أي محاولة جدية للنهوض بالاقتصاد اللبناني. واليوم، وعلى وقع التحديات السياسية والاقتصادية والبيئية، ومن بين التشكيلة الوزراية الجديدة، تم تعين مدير محمية أرز الشوف الدكتور نزار هاني، وابن بلدة بعذران الشوف، وزيرًا للزراعة، أحد الـ 24 وزيرًا في حكومة الرئيس نواف سلام.
مسيرة علمية وعملية حافلة بالإنجازات
تعيين هاني وزيرًا للزراعة في الحكومة، خطوة تؤكد على أهمية الاعتماد على الخبرة والتخصص في إدارة الملفات الوطنية.
فمنذ عام 2010، يشغل هاني منصب مدير محمية أرز الشوف، وكان له دورًا محوريًا في إدراج محمية أرز الشوف على القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
من انجازاته العلمية والعملية
– يحمل هاني دكتوراه في العلوم الزراعية والغذائية من جامعة الروح القدس – الكسليك، بدرجة مشرف جدًا، وماجستير في الاقتصاد الزراعي من الجامعة اللبنانية، وعمل سابقًا كأستاذ جامعي واختصاصي بيئي في وزارة البيئة.
– كان قد عمل كأخصائي بيئي مشرف على محمية الشوف المحيط الحيوي في وزارة البيئة بين 2014 و 2020، وأستاذاً في كليات الزراعة في جامعة القديس يوسف والجامعة اللبنانية.
لم يقتصر دور هاني على الشأن المحلي، بل له أيضًا محطات وانجازات دولية:
– انتخب في العام 2021 نائباً لرئيس اللجنة العالمية للمناطق المحمية التابعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة لمنطقة شمال إفريقيا وغرب آسيا والشرق الأوسط، وهو مستشار في التراث العالمي الطبيعي لمندوب لبنان في اليونيسكو منذ العام 2023.
– حاصل على جائزة ميشال باتيس لليونسكو للإنسان ومحمية المحيط الحيوي، وجائزة كينتون ميلر من اللجنة العالمية للمناطق المحمية التابعة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، وفي العام 2021 حصل على وسام فارس من رتبة نجمة إيطاليا عربون تقدير من الجمهورية الإيطالية.
– عمل مستشارًا لقسم المناطق المحمية في وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية، ضمن إطار خارطة طريق رؤية 2030 للمناطق المحمية.
التسمية الوزارية: تجمع بين التخصص والتوافق السياسي
في لبنان، نادرًا ما يتم تعيين وزراء خارج الحسابات السياسية، لكن من الواضح أن الرئيس نواف سلام، أبى أن يرضي الأطراف السياسية، على حساب الكفاءة والتخصص، حيث أن تسمية الدكتور نزار هاني لتولي حقيبة الزراعة، جاءت من الحزب التقدمي الاشتراكي، وهو ما أعلنه الحزب، وأكد عليه هاني في حديثه إلى وسائل الاعلام، ونذكر منها حديثه إلى قناة الـ MTV، موضحًا أن التوافق بين اللقاء الديمقراطي والرئيس المكلف نواف سلام أدى إلى اختياره ليكون وزيرًا في التشكيلة الوزارية، مشيرًا إلى أنه “ليس حزبيًّا، لكنه يدور في فلك هذه المجموعة”، على حد تعبيره.
خطة الوزير هاني وأولوياته: إعادة الإعمار ودعم المزارعين
مع تسلّمه الوزارة، حدد نزار هاني مجموعة من الأولويات، أبرزها:
· إعادة إعمار وتأهيل الأراضي الزراعية، لا سيما في الجنوب والبقاع، بسبب الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الزراعية جراء الحرب.
· تشجيع الصادرات الزراعية، عبر دعم الإنتاج المحلي وتطوير سياسات زراعية تحفيزية.
· تعزيز التوعية والإرشاد الزراعي، لمساعدة المزارعين على التكيف مع التغيرات المناخية باستخدام تقنيات زراعية مستدامة.
الشوف ولبنان يهنئان نزار هاني
حظي تعيين الدكتور نزار هاني بترحيب واسع من مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية والإعلامية عامة، وفي الشوف خاصة، لا سيما وأن هاني شخصية معروفة في المنطقة، ليس بكفاءته فحسب، بل بأخلاقه وشخصيته المحببة والقريبة من الناس والحريصة على البيئة والأرض، والذي يركز دائمًا في حديثه على أهمية التنمية المستدامة ودعم الانتاج المحلي، فشهدت حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، تعليقات التبركات والتهاني، لهاني وللحكومة على حد سواء.
ونذكر بعض التعليقات التي وردت فور إعلان اسمه:
– وصفته الصحافية نوال الأشقر بأنه “الآتي من الإنجازات”، مشيرة إلى دوره المحوري في إدراج محمية أرز الشوف على القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة.
– تقدمت جمعية الحياة البرية في فلسطين بكافة هيئاتها الإدارية والتنفيذية بالتهنئة له، وأشاد الدكتور أحمد الشريدة بقرار تعيينه معتبرًا أنه “الرجل المناسب في المكان المناسب”.
– أما رئيسة اتحاد السفراء الدوليين في الولايات المتحدة الأميركية د. غرازييلا سيف، فقد وصفت تعيينه بأنه “يوم أمل وفرح في لبنان”، وأكدت أن نزار هاني وزملاءه الوزراء الجدد هم من الكفاءات المستحقة للمناصب الوزارية.
– وجّه الصحفي الدكتور عبد الله ذبيان تهنئة خاصة له، واعتبر أن تسميته وزيرًا للزراعة هو مكسب للبنان ولمنطقة الشوف.
– كما أثنى أحد المتابعين، ناجي علامة على أن “اختيار وليد جنبلاط وتيمور جنبلاط للدكتور هاني، معتبرًا أنه رجل العلم والثقافة والنزاهة والتفاني في العمل”.
نزار هاني أمام اختبار الإنجاز: هل تُحدث الكفاءة الفارق؟
لا شك أن أمام هاني كباقي زملائه في الحكومة، تحديات كبيرة، فتنظيف ما خلفته الحكومات القديمة كافٍ، لتأخير التقدم مضيًا في انجازات جديدة، لكن الآمال كبيرة والمراهنة الأكبر على العلم والكفاءة الآتية من رأس هرم حكومة سلام.
فإذا كان هاني حصة الاشتراكي في الحكومة، فيتأمل اللبنانيون منه أن يكون من حصتهم على مستوى الوطن، إذا أنه سبق للحزب التقدمي الاشتراكي أن تولى وزارة الزراعة من دون أي انجازات تذكر. إلا أن هاني استطاع بدعم الحزب نفسه أن يحقق انجازات كبيرة، وضعته ووضعت محمية أزر الشوف على الخارطة العالمية، وتعيينه اليوم قد يكشف الخلل الحقيقي في عدم الانجاز، فامكانيات الحزب عالية إذا توفرت الإرادة، والدكتور هاني لا تنقصه الكفاءة، وهو أمام فرصة تحويل وزارة الزراعة إلى قاطرة للتنمية المستدامة، بتعاون سياسي داخلي ودولي.
نتمنى له وللوزارة كل التوفيق.