الشاب اللبناني وئام نصر يعكف على تجسيد مقولة “أمل رغم الألم”، عبر تجربة نموذج جديد من الزراعة المتطوّرة في بلده، وهو قطع شوطاً لا بأس به في ترسيخ مفهوم التقنية الزراعية الحديثة التي يطلق عليها اسم “الزراعة العمودية -الهوائية”.
تعود مبادئ الزراعة العمودية إلى آلاف السنين، فأوّل مثال معروف للزراعة الهوائية – العمودية عبر التاريخ كان عبر “حدائق بابل المعلّقة”، التي بُنيت قبل نحو 2500 عام.
وفي القرن السابع عشر، طوّر المزارعون الفرنسيون والهولنديون الزراعة الهوائية – العمودية بزراعة فاكهة المناخ الدافئ على جدران حجرية عازلة للحرارة، حامين إياها من الليالي الباردة.
في عالمنا الحديث، تطوّرت الزراعة العمودية كحلٍّ حاسم لأزمة الأمن الغذائي الوشيكة. فمن خلال زراعة المحاصيل في طبقات متراصة رأسياً، تستطيع هذه المزارع توفير مساحة كبيرة، وزيادة الإنتاجية لكلّ دونم مزروع، وضمان إمدادات غذائية أكثر استدامة وموثوقية في المناطق الحضرية.
في السنوات الأخيرة، اكتسبت الزراعة العمودية زخماً كطريقة زراعية مبتكرة ومستدامة. وعلى عكس الزراعة التقليدية القائمة على التربة، تستخدم الزراعة العمودية (الهوائية) نظام رشّ لتوصيل العناصر الغذائية مباشرة إلى جذور النباتات، ما يؤدي إلى زيادة المحصول وتقليل استخدام المياه وتحسين صحة النبات.
ومع ذلك، أثارت المخاوف بشأن المواد المستخدمة في أنظمة الزراعة الحديثة، وخاصة البلاستيك، تساؤلات حول سلامة الغذاء.
وئام نصر: الزراعة العمودية توفّر كميات كبيرة من المياه والأسمدة
المختصّ اللبناني الشاب وئام نصر عكف على تجربة هذا النموذج الجديد من الزراعة المتطوّرة في بلده، وهو عبر شركته Swiraj قطع شوطاً لا بأس به بعد دراسات وتجارب ودورات وهو يشرحللميادين نت هذه التقنية الحديثة.
يقول نصر “تخصّصت في ألمانيا باختصاص علوم زراعة Agribusiness and sustainability وهذا الاختصاص نصفه زراعة، والنصف الآخر منه هو ريادة أعمال بكلّ شيء له علاقة بالزراعة وعالم الحيوان و المنتجات الغذائية.
كما يشمل”اختصاصي كلّ أساليب الزراعة الحديثة والصديقة للبيئة وهي تحدّ من استهلاك الموارد المتجدّدة وغير المتجدّدة، وأيضاً كلّ شيء له علاقة بالتصاريح والتراخيص والمعايير المعترف بها بالنسبة لحقوق المستهلك والصحة العامّة وجودة المنتوجات، مثل ISO -USDA – Organic- Cerifiied Gluten fre”.
اختار نصر وطنه لتنفيذ مشروع الزراعة العمودية،لحثّ اللبنانيين على العودة من بلاد الاغتراب الكثيرة، “نحن نقول لهم إنه يجب عدم نسيانها ومعرفة قيمتها، خاصة وأن واقع الزراعة في لبنان بحالة سيئة، ويجب التوجيه صوب أساليب زراعية أكثر استدامة.. فلبنان أخضر ولازم يظل أخضر”، كما يعبّر بحماسة الشباب.
ويوضح قبل الحديث أنّ “ما يقوم به هو، زراعة عمودية وليس هوائية ولكن ترجمة Aeroponic tower الحرفية هي زراعة هوائية، ولكن المبدأ هو الزراعة عمودياً”.
معايير الزراعة الثلاثة
توفّر هذه الزراعة كميات كبيرة من المياه والأسمدة تتجاوز نسبتها 95% مقارنة بالزراعة في التربة، وتصل كفاءة استعمال المياه فيها إلى ما يقرب 100%، إذ إن ما يفقد من المياه في هذه الطريقة هو فقط ما يتبخّر من النباتات وما يختزن فيها، لأنّ الماء في أنظمة الزراعة الهوائية يتمّ تدويره.
في هذه الدراسة، سنتناول أهمية هذه المعايير الثلاثة في الزراعة، ونقارن كيفية تأثيرها على الزراعة التقليدية (في الحقول المفتوحة)، والزراعة داخل البيوت المحمية، والزراعة في أبراج “الإيروبونيك” داخل البيوت المحمية.
يحدّد “الأس الهيدروجيني” في الزراعة مدى حموضة أو قلوية الوسط الزراعي سواء كان تربة أو محلولاً مغذياً تتراوح قيمته بين الصفر إلى 14 حيث يعتبر الرقم 7 متعادلاً، وأي قيمة أقل من 7 تعني وسطاً حمضياً وأي قيمة أعلى من 7 تعني وسطاً قلوياً.
وتنمو معظم المحاصيل بشكلٍ أفضل عندما يكون “الأس الهيدروجيني” بين 5 ونصف و6 ونصف في التربة أو المحلول المغذّي.
التوصيل الكهربائي في الزراعة (EC)
هو مقياس لقدرة المحلول على توصيل الكهرباء حيث يعكس كمية الأملاح الذائبة في الماء، كلما زادت المواد الذائبة زادت قدرة الماء على توصيل الكهرباء.
يرتبط المقياس ارتباطاً مباشراً بمستويات المغذّيات حيث يعني ارتفاع التوصيل الكهربائي تركيزاً أعلى من الأملاح المغذية، ويساعد في مراقبة توازن العناصر الغذائية في نظم الزراعة من دون تربة مثل الهيدروبونيك والإيروبونيك.
إذا كان التوصيل الكهربائي مرتفعاً جداً فإنه يؤثّر سلباً على امتصاص الماء وقد يسبّب احتراق الجذور بسبب تراكم الأملاح، أما إذا كان التوصيل الكهربائي منخفضاً جداً فقد يعني ذلك نقصاً في العناصر الغذائية ما يؤدّي إلى ضعف النمو.
لذا تنمو النباتات بشكلٍ جيد عند مستوى توصيل كهربائي بين واحد ونصف إلى اثنين ونصف ملمتر لكلّ سنتيمتر.
مقارنة بين الزراعة التقليدية والبيوت المحمية وأبراج الإيروبونيك
-الإيروبونيك داخل البيوت المحمية. -الزراعة داخل البيوت المحمية. -الزراعة التقليدية في الحقول المفتوحة. في الإيروبونيك يكون التحكّم دقيقاً حيث يتمّ ضبطه بدقة في المحلول المغذّي، بينما يكون متوسطاً حيث يمكن تعديله من خلال التربة والري داخل البيوت المحمية.
أمّا في الحقول المفتوحة فمن الصعب التحكّم به بسبب اختلاف طبيعة التربة واحتياجات التسميد، فغالباً ما يحتاج إلى تعديل بإضافة الجير أو الكبريت.
لهذا السبب تعتبر أنظمة الإيروبونيك داخل البيوت المحمية الخيار الأفضل من حيث التحكّم في “الأس الهيدروجيني” وإجمالي المواد الذائبة والتوصيل الكهربائي لضمان الصحة والنمو المثالي للنباتات.
النكهة والمذاق الجيّد
لطالما كان التساؤل حول ما إذا كانت المحاصيل المزروعة في أبراج الزراعة تفتقر إلى النكهة والمذاق الجيد مقارنةً بتلك المزروعة بالطرق التقليدية، موضع نقاش بين خبراء الزراعة والمستهلكين والباحثين.
ورغم أنّ الطرق التقليدية للزراعة لطالما كانت المعيار لإنتاج محاصيل غنية بالنكهة، إلا أنّ التطوّرات في تكنولوجيا الزراعة الهوائية أتاح إمكانيات جديدة لإنتاج محاصيل مستدامة وعالية الجودة.
يبقى أنّ حجم البرج: الطول متران و 3 سنتمترات، ويسع 48 نبتة وسرعة النمو x1.5. سعة خزّان الماء 30 ليتراً وقاعدته تقريباً 50 سنتيمتراً مربّعاً.
للمزارعين يقدّم البرج لزراعة حديثة أهدافاً تنموية مستدامة: بسعر 130$ للبرج من دون الإضاءة و150 $ معها.
المصدر: الكاتب الصحفي الدكتور عبد الله ذبيان