أمسية “فوضى منظمة” في بعقلين: الشعر يعانق الموسيقى في عرض راقٍ من الطراز الرفيع

في مساءٍ يعبق بالفن والوجدان، اجتمع الشعر والموسيقى على مسرح المكتبة الوطنية في بعقلين يوم السبت 5 نيسان، حيث قدّمت فرقة “فوضى منظمة” عرضاً فنياً حمل توقيع الشاعر والمؤلف ربيع زيتوني. العرض الذي خُطّ بأنامل الإحساس، لم يكن مجرد سهرة موسيقية بل تجربة وجدانية حقيقية، عبر خلالها الجمهور فيضاً من المشاعر بين الشعر والأنغام، بين اللحظة والتأمل.

ربيع زيتوني: شاعرٌ يُترجم الإحساس نصًا وغناءً

قاد ربيع زيتوني الأمسية بشغف الكلمة ورحابة الإحساس. ألقى نصوصًا شعرية من تأليفه تمحورت حول الحب، الوطن، الحنين، القضايا العربية، والحياة اليومية بمرّها وحلوها، ونجح بأسلوبه السلس والعميق في أن يُدخل الجمهور في عوالم مختلفة دون تكلّف أو افتعال. أسلوبه الشعري الذي يجمع بين الحداثة والنبض الشعبي لامس مشاعر الحاضرين، ومنح للأمسية بُعداً تأملياً يندر أن نجده في العروض الموسيقية التقليدية.

هبة رضوان: صوتٌ يلامس القلب وعزفٌ يوقظ الذكريات

بصوتها الدافئ وعزفها الرقيق على البيانو، أبدعت الفنانة هبة رضوان في تقديم الأغنيات والمقاطع الغنائية التي ألّفها ربيع زيتوني. لم تكن فقط مغنية تؤدي أدواراً لحنية؛ بل كانت شريكة في الحضور، والإحساس، وتوصيل الرسالة. غناؤها لم يأتِ كزينة صوتية، بل كقلب نابض في جسد القصيدة. لامس صوتها الوجدان، ونجحت في نقل المشاعر من المنصة إلى قلوب الجمهور بسلاسة ودفء.

وتفاعل الجمهور بشكلٍ خاص مع مقطع من أغنية “شبهتك ببيروت”، حيث علّقت هبة بعد انتهاء المقطع: “بصوتكن كانت لحظة رائعة”، في تعبير عفوي عن التأثر والتواصل الصادق بينها وبين الحضور. كانت لحظةً ساحرة، جسّدت انسجام الصوت مع الصدى، والأداء مع قلوب الناس.

إبداع جماعي وتناغم فني

رافق العرض كل من شادي ضو على آلة الأكورديون، ومحمد الخطيب على الدرمز، وهلال فخر الدين على الساكسفون، فأضفى كل منهما بآلته نكهة موسيقية خاصة. هذا التنوّع في الآلات، والتناغم في الأداء، منح الأمسية بُعداً صوتياً غنياً وعميقاً، حيث تماهت الموسيقى مع القصيدة لتصنع لحظة نادرة لا تتكرر.

فرقة  “فوضى منظمة”: فن يعكس الواقع ويبوح بالإحساس

“فوضى منظمة” ليست مجرد فرقة فنية، بل حالة فكرية وعاطفية تعكس مشاعر أعضاءها وتترجم الواقع بطريقة شعرية موسيقية مبدعة. جمعت الفرقة بين الكلاسيكية والعصرية، بين البساطة والعمق، وتناولت موضوعات الغزل، الحنين، الألم، والقضايا العربية دون أن تقع في فخ المباشرة أو الشعاراتية.

كما تميّزت الأمسية بطرح مواضيع إنسانية وشخصية وعاطفية بطريقة راقية. تناولت القصائد والأغاني قضايا الحب، الغزل، الغربة، الحرب، الأمل، الواقع العربي، والألم الإنساني. لكن ما جعلها مختلفة هو تناول هذه المواضيع بلغة أنيقة وعميقة، دون مباشرة أو شعاراتية. كما برزت قدرة الفرقة على إعادة إحياء الأغاني القديمة وإعادة تقديمها بروح معاصرة تجذب الجيل الجديد دون أن تفقدها طابعها الكلاسيكي الأصيل.

جمهور تفاعل… وفضاء امتلأ دفئًا

الجمهور المتنوّع شكّل جزءاً أساسياً من نجاح الأمسية. من لحظة الدخول حتى التصفيق الأخير، ساد تفاعل حيّ ودفء إنساني بين المنصة والمقاعد. الجمهور لم يكن متلقياً فقط، بل مشاركاً في الجو العام، فصمت حين اقتضت الكلمة، وصفّق حين حلّ اللحن، وابتسم وتأثر حين لامسته المشاعر.

كلمة من “فوضى منظمة”: الفن حين يُعبّر عن الحب والامتنان

وفي ختام الأمسية، عبّر أعضاء فرقة “فوضى منظمة” عن امتنانهم العميق لكل من شاركهم هذه اللحظة الفنية، بكلمات صادقة من القلب، جاء فيها:

“كم هو جميلٌ أن نُشارك الفن مع أهله، وكم هو جميلٌ أن نرى من نُحب ونفتخر بهم يتفاعلون مع أعمالنا الخاصة. في غرفةٍ صغيرة بين دمعةٍ وبسمة كتبنا ولحَّنّا قصائدًا بحبر العاطفة وبقلم الحب لمن نُحبّ، فأمست مِلكًا للجميع. أمسيةٌ نقيضٌ لنفسها؛ عقلانيةٌ وعفوية، جريئةٌ وخائفة. عبرنا آلاف الأميال في ليلةٍ واحدة، ونحن في مكانٍ واحد.

آراؤكم وحضوركم كانوا علامةً فارقةً في مسيرتنا الفنية، وتركوا بصمةَ حبٍ في قلوبنا. لكم منا جزيل الشكر، والحب، والاحترام. حضوركم شرفٌ كبيرٌ لنا، وشهاداتكم في عملنا أوسمةٌ على صدورنا”.

وقد خصّت الفرقة بالشكر المايسترو باركيف تسلكيان، د. جمال أبو الحسن، الأستاذ بهاء عربيد، الأستاذ عماد عربيد، الأستاذ سعد حمدان، الناقد الفني الأستاذ محمد حجازي، الأستاذ إياد وهبي، الأستاذ فادي رشيد، الأستاذ غسان حاطوم، وسائر الحضور دون استثناء، مؤكدين أن “في القلب لا مكان للتراتبية، فلكم جميعًا حصة في الامتنان.”

كما توجهت الفرقة بالشكر الكبير لجميع موظفي المكتبة الوطنية بعقلين، وللإدارة الحكيمة التي يرأسها الأستاذ غازي صعب، على كل الدعم والرعاية.

وأضافت هبة رضوان  في رسالة مؤثرة:

“ممتنة من قلبي لنجاح أمسية فوضى منظمة… قدّي فخورة بهالخطوة، فخورة بكل شخص بفوضى منظمة، بالموسيقيين الرائعين يلّي شاركونا، وبكل شخص حضر وعبّى المكان طاقة ومحبة.

في رهبة كبيرة لما تكون عم تغني قدّام موسيقيين وفنانين بتحترمهم وبتحب شغلهم، بس بنفس الوقت في سحر… سحر اللحظة، سحر التفاعل، وسحر إنّك تكون عم تعيش حلمك قدّام عيون الناس.

شكراً لكل شخص كان جزء من هالليلة، وجودكن عطانا الدفع لنكمل، لنطوّر، ولنعبّر بعد أكتر.

فوضى منظمة مش بس موسيقى، هي حالة، إحساس، عفوية، وحب أصدقاء…”