بتلون تلفت الأنظار كنموذج بيئي متكامل: فعلت ما عجزت عنه بلديات ذات إمكانات هائلة!
كتب فراس الشوفي في جريدة الاخبار:
الساعة 11 صباحاً، وحركة السيارات والآليات الزراعية لا تهدأ على الطريق الفرعية الواصلة من طريق عام الشوف إلى وادي بتلون، المكمّل لوادي بسري. تحت عقد الحجر الفسيح، في البلدة «القديمة» التي دمّر زلزال العام 1956 جزءاً منها، يفرد رئيس البلدية مروان قيس واقعاً ريفيّاً مغايراً لما اعتاده اللبنانيون في العقود الثلاثة الماضية. فالحركة الزراعية في أوجها هذه الأيام في عموم بلدات الشوف، لكنّ العمل في بتلون يبدو مختلفاً، مع نشاط لافت للأهالي.
قبل خمس سنوات، استفاقت بتلون على وعي بيئي وزراعي بحكم قربها من محميّة أرز الباروك، وبعد وصول شباب من خارج الاصطفافات الحزبية إلى البلدية، بناءً على مشروع/فكرة لصناعة واقع جديد تتكامل فيه عناصر الطبيعة مع الزراعة العضوية والإدارة الرشيدة للنفايات والسياحة البديلة. وكغيرها من البلديات، تستفيد بلدية بتلون من دعم عدد كبير من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، الغربية تحديداً، لكنّها على عكس غيرها، استطاعت بدل الغرق في التنازع على الحصص تحويل هذ الدعم إلى واقع ملموس يظهر في البيئة النظيفة للبلدة ومزروعاتها ومركز فرز ومعالجة النفايات فيها. يقول قيس، إن الفكرة بدأت عام 2016 مع «البيت اللبناني للبيئة» ومجموعة من سيدات البلدة، «وضعنا خطة استراتيجية تضمنت مسحاً شاملاً للبلدة ونقاط الضعف والقوّة فيها». وتزامن ذلك مع خروج شركة «سوكلين» من العمل في مناطق الشوف، وحلول «سيتي بلو» مكانها. في هذه الأثناء، «استطعنا تأمين 100 مستوعب للنفايات، وقدمت لنا محمية أرز الباروك 100 أخرى بهدف البدء بالفرز من المصدر». ولاحقاً، تم تأمين حوالى 500 طير دجاج مع 20 قفصاً بهدف التخفيف من إنتاج النفايات العضوية. يقول فراس ربح، الناشط البيئي وعضو البلدية، إن الجزء المفضّل في واقع بتلون، هو أن هذه البلدية الصغيرة، عمليّاً، تفعل ما تعجز عنه بلديات ذات إمكانات هائلة.
بحسبة بسيطة، استطاعت خفض فاتورتها المتراكمة كمعظم البلديات لحساب شركة «سوكلين» من 165 ألف دولار عام 2015، إلى 110 ملايين ليرة لـ«سيتي بلو» عام 2018، من جرّاء فرز النفايات وتحويل المواد العضوية إلى أسمدة وإعادة بيع الكرتون والزجاج لمؤسسات تعيد تدويرها. اليوم، انخفض إنتاج البلدة ذات الـ 4000 نسمة، من 100 طن نفايات قبل خمس سنوات إلى أقل من 50 طنّاً شهرياً.
ومن النفايات، إلى السعي لتطوير الواقع الزراعي، يؤكّد قيس أنه «خلال وقت قصير سيكون هناك مكان لبيع المزارعين منتجاتهم مباشرةً إلى المستهلك، بدل أن يبقى المزارع خاضعاً للوسطاء وتجار الجملة وسوق الحسبة». إلى جانب مركز الفرز، تبدو «فرامة التشحيل» المعمل البيئي الثاني المهم، والذي يسمح للبلدية بتحويل شحالة الأشجار بعد دمجها مع النفايات العضوية المخمّرة بالتهوئة، إلى أسمدة عضوية تعيد توزيعها على المزارعين، ما يسمح بالاستغناء عن الأسمدة الكيميائية والحدّ من استخدام السموم في المزروعات. كما عملت البلدية على إصلاح قنوات الري بعد تخلف وزارة الطاقة عن مواكبة «النهضة الزراعية في الوادي». يقول «مدير الحقل» في المحمية، الناشط البيئي منذر بو وادي، إن «واقع البلدة تعزّز كمحطة للسياحة البديلة، وأقيم مركز للاستقبال لرحلات السير في الطبيعة على مسار يتراوح بين 16 إلى 20 كلم، من بتلون إلى معاصر الشوف وبطمة والخريبة في واحة من الأشجار البرية».
أمّا للمستقبل، فتحلم البلدية بأن تكون البلدة خضراء على صعيد الطاقة أيضاً، الأمر الذي يحتاج إلى إمكانات أكبر، «لكننا بدأنا بتركيب حوالى 180 لمبة تعمل على الطاقة الشمسية، على أمل الحصول على دعمٍ كافٍ لتأمين الطاقة البديلة النظيفة لكامل البلدة». «البداية كانت صعبة، لكن استجاب الناس لاحقاً عندما لمسوا كيف يمكن تخفيف النفايات وتحويل الجزء الأكبر منها إلى أسمدة عضوية مكمّلة للدورة الزراعية». وبحسب ربح، فإن «صندوق النفايات العضوية»بات موجوداً تقريباً خلف كل بيت، بما فيها بيت رئيس البلدية».