كتب موقع الراي ميديا:
دارين بربر سيدة لبنانية تعيش في دبي منذ العام 2006 واجهت قَدَرَها حين كانت لا تزال في الخامسة عشرة من عمرها. حينها أصيبت بسرطان العظام فاضطرت للخضوع إلى عملية بتر لساقها. ولنا ان نتخيّل تأثير ذلك على مُراهِقة كانت ترسم للحياة أجمل الأحلام والآمال.
ورغم صعوبة المرحلة، استطاعت دارين أن تكمل حياتها بما تحمله من خيبات وصعوبات وأوجاع بدعمٍ كلي من عائلتها التي وقفت الى جانبها ولم تدعها تستسلم يوماً. لكن القَدَر ضرب ضربته الثانية حين تعرضت لإصابة بليغة في الورك احتاجت معها الى ساقٍ اصطناعية كاملة. إثر هذه الحادثة تغيّرت حياة دارين كلياً، وواجهت هذه السيدة التي باتت زوجة وأماً لطفلين تحدياً آخر هو التعامل مع هذا الوضع الجديد والوزن الكبير الذي اكتسبته نتيجة ظروف متراكمة.
لكن ما كان يمكن أن يوصل إلى الإحباط والاستسلام تحوّل عند دارين الى قوة للمواجهة. ومرةً جديدة حملت مصيرها بيدها وتحدّت قدراتها الجسدية لتتمكن بواسطة إرادتها وإصرارها من دخول عالم التمارين الرياضية المحترفة، واستطاعت أن تخسر خلال سنة واحدة 25 كيلوغراماً من وزنها وأن تصبح رياضية من الدرجة الأولى رغم صعوبة ذلك جسدياً.
إرادة تحوّلٍ حديدية
هذا الإنجاز حفّز دارين على القيام بالمزيد من الإنجازات فشاركت في عرض Famous World Beauty Fitness and Fashion في لندن وذلك بعد 24 عاماً على فقدانها لساقها وكانت أول امرأة عربية مبتورة الساق تفوز فيه. وجاء الفوز بهذه المسابقة تتويجاً للتحوّل الذي أجرته في حياتها وشكلها الخارجي. كما كانت أول سيدة عربية بساق اصطناعية تنهي سباق ترياتلون الثلاثي، أي الجري، السباحة والدراجة في العام 2018.
المشاركة في العرض كانت بالنسبة لدارين حلماً بعيداً ولم تتخيّل يوماً أنها يمكن أن تشارك بعرضٍ للجمال واللياقة البدنية، لا بسبب حالتها الجسدية بل لأن الخوف، بحسب رأيها، هو ما يعطل الإنسان ويمنعه من تحقيق أحلامه: الخوف من الفشل والرفض وفقدان ماء الوجه الخوف من نظرة المجتمع وحُكْمه. ولكن حين يتخطى المرء هذا الخوف ويضع نظرة المجتمع خلف ظهره يستطيع إحداث كل التغيير الذي يطمح إليه.
تدريب الجسم والفكر
من هذا المفهوم انطلقت دارين لتصبح لا رياضية ومدربة لياقة فحسب، بل أيضاً مدربة على الحياة ومتحدثة محفّزة تساعد الآخَرين على المواجهة وإحداث التغيير الذي يرغبونه في حياتهم.
ونسألها: كيف تجمعين بين هذه الاهتمامات الثلاثة وما الرابط بينها جميعها؟ فتجيب: «الرابط بين الثلاثة هو أهمية أن يهتمّ الإنسان بصحته النفسية والجسدية والفكرية فهي التي تولد ثقة بالنفس وحباً للذات وبالتالي قدرةً على التغلب على جميع التحديات والصعوبات في الحياة. ولأنني إختبرتُ تأثير الرياضة الإيجابي والجذري في حياتي، مَنَحَني الأمر الإلهامَ لأن أساعد الآخَرين وأساهم في تغيير حياتهم هم أيضاً. مشاركتي في المسابقات هي بمثابة اختبار وإختيار لأن أتحدى نفسي، لأن الحياة تحدّتني عندما أخذتْ رِجلي بسبب سرطان العظام في عمر الخامسة عشر فقررتُ أن أبادر الى التحدي بدل أن أنتظر التحديات لتأتي إليّ».
لكن رغم كل هذه الأدوار المهنية القيّمة، ثمة أدوار أخرى على الصعيد الشخصي شكلت بدورها تحدياً لدارين فهي زوجةٌ وأمّ. ولكن العلاقة العاطفية لم تَخْلُ من الصعاب، فهي تقول إن من المتعارف عليه أنه حين يتعلق الأمر بالأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة فهم لا يقررون إختيار شريك حياتهم، بل ينتظرون مجيء الشريك. إلا أن دارين لم تدع ذلك يؤثّر عليها بل هي تعرّفتْ إلى زوجها، وقعا في الحب، تزوّجا، ورُزقا بطفلين دون أن تأخذ بالاعتبار نظرة المجتمع أو رأيه. لقد عاشت حياة طبيعية لأن عائلتها كانت دائماً تعطيها القوة. وفي الوقت الذي كانت تكبر فيه وتصبح امرأة مستقلة، لم تفكر أبداً أنها امرأة تفتقر إلى أي شيء يجعلها لا تستحق ما يكفي من الحب و الزواج.
وحين نسألها عن أهمّ أدوارها، تؤكد «من أهمّ أدواري هو تربية أطفالي وتوجيهم في الحياة، لأن أعظم إنجاز هو أنني أنجبت وأصبحت أماً».
وماذا يعني لها أن تكون مثالاً أعلى لكثير من النساء، وهل يحمّلها ذلك مسؤولية كبيرة؟ فتردّ: «يسعدني أن أساهم في تغيير نظرة نساء كثيرات الى الحياة والى أنفسهن. ولا يحملني هذا مسؤولية ن أقوم بذلك لنفسي أولاً وأشاركه مع الناس، ويحفّزني على أن أشارك تجربتي وحتى صراعي اليومي على مواقع التواصل الاجتماعي لأكون مؤثّرة يشكل إيجابي».
رغم كل القوة التي تتمتع بها وحبّ الحياة الذي يبدو واضحاً على وجهها وفي علاقتها بولديْها، لا شك في أن دارين تشعر بالإحباط أحياناً. فماذا تفعل في تلك الأوقات، ومن أين تستمدّ القوة؟ تقول دارين: «عندما أشعر بالإحباط، أذكّر نفسي بأن كل هذا سيمضي، فلا الفرح يطول ولا الحزن يدوم. أعدّ الأشياء الصالحة في حياتي وأكون شاكرة لله عزّ وجلّ. التركيز على الأمور السلبية يجذب السلبية. مهما كنتُ محبطةً، لا أستسلم أبداً وأستمرّ بالمحاولة حتى أصل الى السلام الداخلي».
وللشعب اللبناني الذي يمر بأسوأ مرحلة ياس وإحباط في تاريخه تذكّر دارين ببيت الشعر المشهور «إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القَدَر».
مصادر إلهام
كمدرّبة على الحياة، تتطلع دارين بربر إلى كل شخص عاش قصته الخاصة، وتَعَرَّضَ لآلام معيّنة دفعتْه إلى تغيير طريقة تفكيره والتمرد على ظروفه، فوُلد من جديد للقتال ولإثبات نفسه. هي تجد الإلهام في هؤلاء الناس لأن التعرف إلى كفاح الآخَرين وكيف تمكنوا من النهوض مرة أخرى بعد سقوطهم يمنحها الأمل ويدفعها إلى عدم الاستسلام أمام الصعوبات والتحديات: “الصعوبات موجودة كي ننمو ونخرج من منطقة راحتنا. هي تدفعنا لاكتشاف الشخص الجديد الذي يمكننا أن تصبح عليه. إذا لم نتحدّ أنفسَنا فلن نعرف أبداً ما نحن قادرين عليه”.
نسألها إذا كانت الصعوبات التي تواجه المرأة اشد قساوة مما يواجهه الرجل فتقول ان المرأة تواجه بلا شك صعوبات وضغوطات أكثر من الرجل،فهي حتى يومنا هذا تحارب لأجل حقوقها كإنسانة. من أجل أن تتخطى الصورة التي رسمها لها مجتمعنا أي أن تولد وتنجب وتربي فقط، فهي تناضل لتحتل دورها إذ يمكنها ان تترأس الشركات وتقود بلاد بأكملها و تتحدى كل ما يعترض طريقها من صعوبات. وبالنسبة إليها شخصيا لا صعوبة لا تستطيع أن تتخطاها، فالصعوبات تواجه الإنسان رجلاً كان أو امرأة لتقويه وتنميه.
بقوتها، برصانتها و بمثابرتها حققت دارين كل الأدوار التي تطمح إليها وباتت مؤثرة حقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي و استطاعت عبر تجربتها أن تساعد شابات وسيدات مررن بوضع شبيه بمحنتتها فرافقت مسيرتهن و أوصلتهن الى تقبل ذاتهن وصورتهن و الى إدراك أن لكل شخص مساراً فردياً و فريداً و لكل شخص مهارات و قدرات مختلفة في الحياة.واليوم هي سفيرة للعديد من الأحداث الرياضية ولإحدى أهم ماركات الملبوسات الرياضية في العالم و ذلك تقديراً لدورها و قدرتها على إلهام الآخرين.