أزمات لبنان وتداعياتها لا تحصى ولا يمكن احتواؤها في سطور. لكن في قدر لبنان العاصف قدرًا بأن لا يسقط. ولعل أهمّ مقدرات صموده التي تكاد تشبه المعجزة هو وجود شباب متعلم طامح مبدع نظيف، يبرهنون أنّ الدّماغ اللبناني هو ثروة الوطن المتجددة وهو متى جدّ حصد. شباب يتشبثون بالأمل على الرغم من شحّ الموارد في وطنهم الأم، فيستعينون بفرص خارج حدود لبنان، ليرفعوا اسمه عاليًا على خريطة العالم ويفيدوا الداخل كما الخارج.
فها نحن نبصر خيطًا مضيئاً جديدًا يخرق العتمة، بفوز لبنان ممثلًا بمجموعة من جامعة بيروت العربية ضمت الدكتور علي صدقي والدكتور مصطفى ربيع خليفة وخريجها المهندس رياض الحلبي، بالجائزة الأولى من ضمن 10 فرق بدون ترتيب بينها، في المسابقة العالمية التي شارك فيها أكثر من 1570 مشاركاً يمثلون 67 دولة نظمتها دائرة البلديات والنقل العام في العاصمة الإماراتية أبو ظبي بعنوان “تحدي نسيم أبو ظبي”.
تهدف المسابقة الى ابتكار حلول للحد من آثار التغيّر المناخي وخفض درجة الحرارة من طريق عرض تصاميم متخصصة في هذا المجال، ولتصبح إمارة أبو ظبي واحدة من أفضل مدن العالم للعيش، من خلال الاستثمار في الحلول المجتمعية المبتكرة.
ويؤكد لـ”النهار” الفريق الفائز باسم Salt and Shades، في حديث للمهندس رياض الحلبي (27 سنة) أن “عمل الفريق والانفتاح هما مفتاح النجاح”، فـ”التعاون المثمر والاستفادة من أفكار وخبرات باقي أعضاء الفرق الدكتورة نيفين حمزة من جامعة نيوكاسل بانكلترا والدكتور محمد محجوب من جامعة العلوم التطبيقية بالبحرين، مكننا من ابتكار فكرة جديدة فعالة ومرنة ومن تصميم مشروع مميز يمكّن تنفيذه من وضع حدّ لارتفاع درجات الحرارة فى أبوظبي”.
أعدّ المشروع الفائز اقتراحًا مبتكرًا في استخدام الملح الفائض عن تحلية المياه، كمجفف لتقليل الرطوبة وتخفيف الحرارة في الخارج، من خلال الملح المضغوط الذي ينشئ أعمدة مظللة، تشكّل نظامًا مركبًا لخلق تصميم جمالي مميز للمساحة مع تحقيق هدف الراحة الحرارية.
وأشادت لجنة التحكيم بهذا الاختراع، معلّقة “علاوة على كونه فريداً في استراتيجيته حول استخدامات الملح، إلا أنه اقتراح يوفر قاعدة بحثية صارمة، وهو قوي للغاية ومثير للاهتمام يستحق مزيداً من الاعتبار في أبو ظبي”.
وتأتي هذه الجائزة كواحدة من سلسلة جوائز دولية قطفها رياض الحلبي، وهو ابن مدينة طرابلس التي تدفع فواتير وسمها بالإرهاب ومعارك الآخرين على أرضها، وكمثيلاتها من المناطق اللبنانية تعيش في بطالة متفاقمة ستصيب ما نسبته 65% من القوى العاملة في لبنان بحسب التقديرات الأخيرة للمؤسسة الدولية للمعلومات.
رياض، المهندس المعماري الذي كان فاز العام الماضي ضمن فريق بجائزة “معرض بينال للعمارة 2020” في البندقية- إيطاليا، وبالجائزة الأولى في مسابقة السرايا الحكومية (2019) في تصميم مساحة عمل مشتركة، والجائزة الأولى في مسابقة AWKAF (2018) لتصميم المستشفيات والمدارس الدامجة في لبنان، والمرتبة الثانية في مسابقة معمارية لجامعة La Sapienza الإيطالية، الى مشاركات دولية عديدة، يؤمن أنّ الفرص بمتناول كل الشباب اللبناني وإن تعثر وجودها بداخل لبنان “أعمل في شركتي Designers& Architects و Algorithms وهما موجودتان في لبنان حيث ا أزال أعيش. جميع هذه الفرص وجدتُها أونلاين.”.
ويتحدث عن إيجابيات العولمة التي يشجع الشباب للاستفادة منها في بحثه عن الأفق “لا أنفي بتاتًا أن العمل في الخارج أكثر منفعة من حيث المال والبيئة الحاضنة، ولكننا اليوم لا نستطيع القول إنني موجود في لبنان أو في خارجه لتبرير عدم وصولنا للفرص. الانترنت يجعل الفرصة تأتينا حيث وجدنا. فهذه المسابقات لم تقدّمها لي وظيقتي ولا جامعتي. النجاح حققته لأنني شاركت، بينما البعض لا يحقق نجاحًا له لأنه لم يشارك”، ففي جسارة الخطوة الأولى فارق عملي طفيف يصنع المستقبل… كل المستقبل.
المصدر: موقع المركزية